فهد بن جليد
في أحد أزقة المنامة ذهبت مع بعض الأصدقاء لنرتشف كوباً من (الكرك بالزعفران والهيل) على يد صانعيه الأصليين الهنود، استغرقنا وقتاً حتى وصلنا إلى الموقع وسط الحواري القديمة بمُعاونة (قوقل ماب) الذي استسلم في منتصف الرحلة، لنستعين بمُساعدة الناس الطيِّبين هناك، كان المحل صغيراً جداً يقصده العابرون بكثرة، ما لفت انتباهي أنَّ أصحاب السيارات الفارهة يكتفون بإطلاق صوت صغير من (بوق السيارة) ليُظهر العامل رأسه مع (باب المحل)، ويُشيرون له بأيديهم (واحد أو اثنين) ليصلهم الطلب بكل سرعة وسهولة مُقابل (100 فلس/ ريال واحد فقط)، إلاَّ أنَّا و(شلَّة الأنس) فكلما انتهينا من (كوب كرك) بالزعفران والهيل وماء الورد طلبنا آخر، وكلما التهمنا (ساندويتش جباتي) صغيرة طلبنا أخرى، رافعين شعار (الله يديم الرخص) مُتذكِّرين حجم الاستغلال الذي يقوم به أصحاب (مقاهي المحطات) بتقديم أرخص (كوب كرك) في الرياض بما لا يقل عن (5 ريالات)، أغلى حتى من ثمنه في لندن التي يُباع فيها بالمتوسط (بدولار واحد فقط)، والسبب هو عدم فهم (فلسفة الكرك) - راجع مقالي (كرك وجباتي) المنشور هنا في 25 ديسمبر 2015م.
مشروع (الكرك والجباتي) في الرياض مُربح جداً، ويدرُّ ذهباً، فهو لا يقل عن أي مشروع كوفي 5 نجوم آخر، لأنَّ الناس عادة تتناول (الكرك والجباتي) بذات الطريقة التي فعلتها أنا وأصدقائي الأمر الذي يفقد (الكرك والجباتي) فكرته وبساطته (كفنجان عابر) وتصبيرة بداية اليوم أو في منتصفه -وسط زحمة المواعيد والتنقلات- يتميز بسرعة إعداده وتناوله، وزهد ثمنه، وهي الثقافة المعمول بها في أغلب العواصم الخليجية، عدا ما يحدث في مقاهينا ومطاعمنا التي جعلت منه مشروباً رئيساً لا يقل ثمنه عن أي مشروب (وجبة آخر)، لذا ما نحتاج إليه ونحن مقبلون على موسم الرياض الذي ستنتشر فيه حتماً عربات الفود ترك (الكرك والجباتي)، هو إعادة فهم هذه النظرية بالطريقة الصحيحة، التي ستضمن الربح للجميع، فالزبون سيحصل على كمية قليلة من الكرك في (نصف كوب) بسعر رخيص، والبائع سيضمن ربحاً أكبر ببيع كمية أكبر من الأكواب، الأمر الذي أرجو أن يصحح مفهومنا تجاه هذا المشروب.
الرياض تسير بقوة على طريق (سيول- عاصمة كوريا الجنوبية) في عدد المقاهي المُنتشرة في كل أرجاء المدينة، فلا أحد تقريباً يسير في صباح الرياض دون أن يحمل (كوب قهوة بنكهة) ثمنه يتراوح بين (11-22 ريالاً) إذا ما استثنيا (القهوة الأمريكية) التي ثمنها أقل من ذلك، الأمر يبدو لي (موضة) أكثر منه (كيف)، وهي ذات القصة التي تتكرَّر مع (الكرك) وغيره لتعكس لنا جانباً مهماً وخفياً من حياتنا اليومية، فنحن ندفع بسخاء عندما يستغلنا التجار، ورحم الله ابن جدلان القائل (إن كان همك في الزمن بس لقمتك.. الفول بريالين والخبز بريال).
وعلى دروب الخير نلتقي.