د. محمد بن إبراهيم الملحم
لايوجد نقص «ال» في الكلمة الأولى لعنوان هذا المقال فلست أقصد «التربية الوطنية» ذلك المقرر الذي يقدم في مدارسنا، بل عن تربية الوطنية أتحدث، وأي شيء في أسبوع يومنا الوطني أهم وأجمل من أن نتحدث عن سوى موضوع كهذا، فقد مرت احتفالات يومنا الوطني بكل فرح وسرور، اغتبط به الكبار والصغار، الموظفون والطلاب، بل حتى غير السعوديين من المقيمين شاركونا هذه الاحتفالية، وغالبيتهم صادقون في مشاعرهم المساوية لنا تقريبا نحو بلادنا فهم عاشوا فيها سنين يمتد بعضها إلى مسيرة عمر أو نصف عمر في بلدنا، كما أن المسلمين منهم يشعرون بالانتماء لبلدنا لوجود مقدساتهم فيها فهذه الأرض أم لهم ويجدون ذاتهم فيها، وهم مستعدون للدفاع عنها بكل ما يملكون لو مسها شر وتطاول عليها عدوان. وهذا من فضل الله علينا وعلى بلادنا. السؤال المهم هنا هل «التربية الوطنية» المقرر كافية لـ«تربية» الوطنية؟ وعلى الرغم أني أعلم الجواب المجمع عليه سلفا وهو «لا» ولكني أطرحه كمقدمة لسؤال محوري آخر وهو هل يمكن أن يكون تواجد هذه المادة في مناهجنا سببا لتقصير السبل الأخرى لـ»تربية» الوطنية والتي نعنيها ضمنيا عندما نجيب عن السؤال الأول بـ«لا» ؟ وأقصد بالسبل الأخرى ليست تلك التي قد تقوم بها الجهة التعليمية وإنما الجهات الأخرى من المؤسسات المدنية، سواء في صورة توعية أو منتجات أو أنظمة وتشريعات (تنظيما أو تطبيقا).
لا أدعي أني أملك إجابة علمية هنا، ولكن أقدم إجابة شمولية، وهي أن وجود المادة قد يتسبب في التقصير تحت منطق «أن المواطن يدرس في سنوات عديدة من تواجده كطالب في المؤسسة التعليمية الكثير عن التربية الوطنية فهو قد تم إعداده في هذا المساق فلا حاجة للمؤسسات الأخرى ببذل الكثير في نفس المساحة»، قد تكون العلاقة بين وجود المادة وهذا التقصير المحتمل في تربية الوطنية بنسبة لها قيمتها المهمة، وعندئد فهل يمكننا البحث عن بدائل تحل هذا الإشكال «المحتمل» لنضمن تربية للوطنية على أقوى الدرجات؟ إذا كان الحل هو إلغاء المادة كمقرر فلا بد أن يتوفر البديل للمؤسسة التعليمية، ويجب أن يكون بديلا قويا، وأعتقد أن البديل يكمن في النشاط الطلابي والذي يمكن أن يقدم فيه محتوى هذه المادة الأساسي (بعد نقل المحتوى التاريخي لمادة التاريخ وهو كثير) ويكون على هيئة مشروعات إلزامية لكل طالب، ويمارس تقديم هذه الأنشطة جميع معلمي المدرسة وليس معلم أو اثنين فقط كما هو حاصل في حالة المقرر الدراسي، هذا النوع من النشاط الطلابي لا يشابه غيره فهو إلزامي ويمارس في وقت محدد له في اليوم الدراسي ومنتشر في كل المدارس وعلى جميع الطلاب والمعلمين وله منهجه المكتوب (كمهام عمل) وطريقته الممتعة، خروجا من أسلوب المحاضرة والشرح الممل، لتكون تربية الوطنية في التعليم شاملة وممتعة وعملية، وهذا سيخلي المساحة النفسية لدى الجهات الأخرى والتي تتخلى بموجبها عن الجهود المرتبطة بتربية الوطنية تحت مظلة وجود مقرر دراسي لهذا الغرض، وفوق ذلك وهو الأهم يتم تحويل هذا الموضوع المهم من صورته النمطية التي غالبا يصيبها داء الملل كغيرها من المقررات إلى صورة جديدة ممتعة وذات قيمة للطالب والمعلم معا.