د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** بين رأسه وقلبه رأى «سماء النجوم وقانون الأخلاق» فوعى «إيمانويل كانت 1724-1804م» وجودَه كما كتب في «نقد العقل المحض» ثم أُثبتت على قبره، وبين الخارج العُلوي والداخل النقي تسير الحياة رُخاءً بمن حازهما أو سعى صادقًا لحيازتهما، ولن تكون كذلك لمن عُلاه في دنوّه وريبته في سريرته.
** في بدء العمر تمر الأيام سراعًا والأحلام تباعًا، ثم تُضاعف الأيامُ سرعتَها وتُضائل الأحلامُ تتابعَها حتى لا يبقى يومٌ ولا حلم؛ فالعمر يرتد والأوجاع تشتد والمطامح تهزأُ بالطموح، والمطامعُ تستغفر من الطمع، ويكتشف من يراجعون مسيرتهم أنها في تراجع وسيرَهم في تصدع، والعالم يمضي دون حضورهم غيرَ معنيٍ بحزنهم أو حبورهم، ووقت الحساب سيُطلّ وأوراقه تُورق بما يُثقل ويُكلّ.
** الحكاية في مبتدئها ومنتهاها ثقافية، ومعادلها الواقعي التفاتُ الإنسان عن دربٍ رسمه؛ فإذا حان التأمل -وقتَ وأد الغد والوعد- لم يجد عنوانه القديم ولا أصدقاءه الأثيرين ولا أجواءَ آفاقه التي صارت أنفاقًا، والسببُ هو رؤية الذات محورًا بالرغم من المتغيرات التي أودت بها إلى محوٍ لا يَبقى منه طرسٌ ولا درس.
** هنا يجيء انفصال الإنسان عن واقعه معتدًا باسمه ووسمه دون أن يرى أسماءً ووسومًا قاب نظرته أو رؤيته وقد تجاوزته وعيًا وموثوقيةً وعمقًا، وربما نعى على الأجيال التي أعقبته هشاشة تكوينهم، ولو أجرى مسحًا عاجلاً لأدرك أن حكمه لا يتخطى نصف الحقيقة في حين يمتلك نصفَها الآخرَ جيلٌ متمكنٌ من أدواته المعرفية يمارس مثاقفاته في مساربَ لا تشرق منها أو عليها شمسُه.
** سيتوارى من تعز عليه نفسه حين يرى المسافة بينه وبين طلعة الأجيال اللاحقة ممتدة بمقدار ما يكشف سَير أولاءِ وتوقف أولئك، وفي بعض خطوط الطريق ما يرفع شارات القلق في عقولٍ غرقى بصناعة عناوين الوهم مع دفاعٍ عنها واندفاعٍ لتكثيفها، وفي زمنٍ لم تجفّ أحبارُه كان للعالِم سِمته وسَمتُه، وهي اليوم لمن هم دون سَمتٍ ولا سِمات، وقد لا يرعوون عن شماتةٍ وافتئات.
** أكد «ألان دونو» في كتابه «نظام التفاهة - 2015م» أن التافهين قد حسموا المعركة دون حرب ولا حراب وباتوا يحكمون ويتحكمون، وقدَّم أستاذ العلوم السياسية والفلسفة الكندي نصائح ساخرة قال في بعضها: «لا تقدم فكرة جديدة ولا تحمل نظرة ثاقبة وفكر بميوعة وكن قابلاً للتعليب»، وعاب مفاهيم ذائعة كالوسطية المهتمة بالتفكير الرخو، وتحدث عن فساد الأنظمة البيئية، وانحدار الأدب والفن، وأيقن أن فيها ما يجعل التافه يبحث عن شريكٍ مثلِه.
** وصّف الواقع الذي نحياه اليوم بأفلَّ من سُوئه وسَوءاته؛ حتى ليتمنى القادر أن يُعطى حظ العاثر والذكيُّ أن يقتعد مكان الفدم والممتلئُ أن يُمنح جرأة الفارغ، وعافى الله من لم يجد سوى منافذهم فخضع لنفوذهم.
** ساعةُ أعماق خيرٌ من دهر إملاق.