د. أحمد الفراج
كتبت فيما مضى، وذكرت أن الرئيس ترمب اعتقد بأن الحصار الخانق على إيران، سوف يرغمها على الهرولة صوب واشنطن، لتستجيب لكل المطالب الأمريكية، وتوقِّع اتفاقاً نووياً جديداً يمهر باسمه، بديلاً لاتفاق غريمه الكبير، باراك أوباما، ومن الواضح أنه لم يأخذ في الاعتبار أن شركاء اتفاق أوباما النووي، أي روسيا والصين والأوروبيين، لم يكونوا سعداء بانسحابه من اتفاق أوباما، ولا يرغبون في التصعيد معها من جديد، كما فات عليه أن خصومه الديمقراطيين سوف يدعمون إيران، إن اقتضى الأمر، في سبيل إفشال سياساته، لأنهم لا يتخيلون أن يهزمهم مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية القادمة، والأهم من كل ذلك، هو أن ترمب كان واثقاً من أن إيران لن تجرؤ على استفزازه، ولذا فوجئ عندما فجّرت ناقلات النفط، ثم فقد توازنه تماماً عندما تجرأت وأسقطت طائرة أمريكية، ولذا تخبّط في تصريحاته، ففي البداية حاول إيجاد الأعذار لإيران، ثم شكرها بأنها لم تسقط طائرة أمريكية أخرى، كان على متنها عسكريون أمريكيون! وهذا السلوك لا يتواءم إطلاقاً مع الانطباع الذي رسمه ترمب عن نفسه، بأنه زعيم قوي وشجاع، وليس ضعيفاً ولا مهزوزاً مثل أوباما!
لا أستبعد أن ترمب عزل مستشار الأمن القومي، جون بولتون، كردّة فعل على سلوك إيران الاستفزازي، الذي أحرجه أمام العالم، وجعله يبدو أضعف من غريمه أوباما، ففكرة الحصار غير المسبوق على إيران كان رأياً للصقر بولتون، الذي يؤمن بأن الحل الوحيد مع إيران هو إسقاط نظام الملالي، ثم جاءت الطامة الكبرى على رأس ترمب، عندما قامت إيران بعمل إرهابي ضخم، يهدِّد أمن العالم أجمع، أي حادثة بقيق، ومرة أخرى، جنح إلى التهدئة، ولم يتعامل مع الأمر كما يفترض أن يتعامل معه صقر جمهوري من وزن بوش الأب أو بوش الابن، ولا شك أن تخبطّات ترمب تجاه استفزازات إيران مفهومة، وسبق أن كتبنا عنها، فهو وعد ناخبيه بالانكفاء، وعدم الدخول في حرب، تحت شعار: «أمريكا أولاً»، كما أنه يخشى أنه لو وجّه ضربة لإيران، حتى ولو كانت محدودة وجراحيّة، فإن إيران ستشعل المنطقة بحرب شاملة، وهو ما قد يتسبب في خسارته معركة إعادة الانتخابات، والخلاصة هي أن ترمب تعامل في البداية مع إيران كصقر، عطفاً على حسابات خاطئة، وبعد أن تجرأت، وأعلنت التحدّي، أُسقط في يده وتورّط، فقرّر أن يتحول لـ: «حمامة» مؤقتاً، ريثما تنتهي معركة إعادة الانتخاب، وسيتواصل الحديث!