عثمان بن حمد أباالخيل
مواقف مؤلمة، كلمات مؤلمة، علاقات إنسانية مؤلمة مسطرة ومحفورة في صفحات كتاب الذكريات عند معظم البشر، تود تمزيقها، وإن فعلت فهي عالقة في جدار الذكريات طول العمر. ذكريات تأخذك أحيانًا للماضي؛ إذ تشعر بألم، وتتجرع كأس الحسرة. لستُ متشائمًا، لكن الواقع هو كذلك. الواقع الحاضر لن ينسيك ما كُتب على جدار الذكريات. لماذا نؤلِم؟ لماذا نشعر بنشوة الانتصار حين نؤلِم؟ ومَن تؤلِم؟ إنه مَن تربطه علاقة معك، وليس الغريب الذي لا تشعر بمشاعره.
عند الغضب، عندما تمرُّ بحالات صعبة، عند الوسواس، عندما تقرر الاختفاء والتواري، عندما تجد كل الطرق مغلقة، عندما تجد مَن تراه أفضل، عندما تسمع كلام الواشين، عندما لا تعجبك ذكريات الماضي.. لا تؤلِم من له علاقة شخصية وذكريات جميلة في مسيرة حياتك. أقتبس (أصعب الألم أن يكون آخر الحلول جرح مَن تحب!) أحلام مستغانمي.
ماذا يفيد حين تؤلِم الآخر؟ أليست هذه قمة الانكسار والأنانية المغلفة بنكران كل شيء جميل؟ أليست هذه فوضي الحواس والعواطف؟ في حياة كل إنسان قصة أو مجموعة من القصص التي انتهت كغيرها من القصص التي اصطدمت بالواقع، واقع الاختلاف والمشي في خطين متوازيين. أين تكون عقولنا حين تقسو قلوبنا؟ هل هي في حالة إغماء أم ضياع في عالم اللاوعي؟ أين تكون عقولنا حين ننفي من كان تاجًا على رؤوسنا إلى جزيرة موحشة مخيفة، تسكنها الوحوش؟
نعم، هناك الكثير من البشر من هم مفرطون حين يكرهون، مفرطون في ردة الفعل غير المبرر، يقسون وكأن قلوبهم أقسى من حجر الصوان.. لا تظلموا الحجر؛ فقلوبهم أقسى من الحجر! أقتبس (أشد سجون الحياة قسوة فكرة بائسة، يسجن المرء منا نفسه بداخلها) - مصطفى صادق الرافعي.
تلفتوا مِن حولكم في محيطكم، هناك العشرات من قصص القسوة التي تدمي القلب، وتجرع المشاعر. كذلك هناك قصص محفوظة في الصندوق الأسود عند الكثير من الناس الذين لا يريدون أن يبوحوا بأسرارهم. لماذا البعض يريد أن يؤلِم؟ أين هي الإنسانية؟ لماذا لا تنسحب بهدوء وسكينة؟ ألا تعلم أن الألم يؤلِم؟
كشفت دراسة حديثة في مجلة «ريفيو أوف جنرال سايكولوجي» أن دماغ الإنسان مجهّز بشكل كامل للتوقف عن الحب والمضي قُدمًا في الحياة بعد فشل تجربة حب حتى لو نتج من التجربة تحطم قلب. جميل أن نمضي في الحياة دون أن نؤلِم حين يكون الطريق مسدودًا والأمل مفقودًا والعودة مستحيلة.
يا مَن سلوكه إيلام الآخر، تمهل لعل قلبه مليء بما يكفيه من الحزن الذي زرعته دون أن تدري، فلا تتغافل، وتذكَّر أن الألم مؤلِم. أقتبس (ولقد نبتسم أحيانًا؛ لكي نخدع الحزن فلا نبكي) - فدوى طوقان.
وفي الختام نقول لأنفسنا: إننا نسينا الألم ونحن نكذب؛ فجرح الجسم يبرأ، وجرح القلب يبقى، فلا تُبقوا جروحًا مؤلمة. ويا أيها الجارحون والجارحات.. تذكروا أن هناك تأنيب الضمير، فهل لكم ضمير أم هو في قيلولة أم لا تعرفون ما هو الضمير؟
حقيقة، عندما أشعر بالألم ليس لدي سوى تحمُّله؛ فهو يزورني كثيرًا.