أ.د.محمد بن حسن الزير
تعيش المملكة العربية السعودية هذه الأيام أفراح يومها الوطني المجيد وابتهاجاً بوحدة هذا الوطن وتوحيده، التي توافق يوم الاثنين 23 سبتمبر 2019م ؛ فهنيئًا لنا، وطنًا وقيادة وشعبًا وحكومة، هذه المناسبة الغالية المجيدة، ونحن جميعًا نتذكر هذه النعمة العظيمة التي تحققت بفضل الله ومنِّه على يد المؤسس الكبير الملك عبدالعزيز ابن عبدالرحمن الفيصل آل سعود - طيب الله ثراه - ورجاله الأوفياء المخلصين، الذين حملوا أرواحهم على راحاتهم فداء لهذا المنجز العظيم بوحدة الوطن ولم شمله وتآلف المواطنين وتوحدهم على قلب رجل واحد؛ ويالها من نعمة، ويالها من وحدة، تمت بفضل الله وتوفيقه وهداه؛ نتفيأ ظلالها ونتنعم بخيراتها، ونتذوق حلاوتها؛ قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (103) سورة آل عمران.
إن التذكر لهذه النعمة، واستشعار قيمتها وأهميتها، لهي نعمة أخرى، وهي تأتي في إطار الاستجابة لأمر الله لتذكر نعمته، فنحمده ونشكره عليها امتنانًا لرعايته واعترافًا بفضله؛ ليزداد عطاؤه لنا، ويدوم توفيقه لنا؛ كما قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ..} (7) سورة إبراهيم.
نتذكر في هذا اليوم أن هذا الوطن العزيز الشامخ المتوحد تحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؛ إنما تحقق كيانه وترسخ بجهود وجهاد، وكفاح ونضال، وتضحيات وفداء، ودموع ودماء!
نتذكر في هذا اليوم أن هذا الوطن قام؛ ومنذ البدء، في جذوره وبنيته التأسيسية على أسس مبدئية تنطلق من نصرة العقيدة، وإحياء منهجها الشرعي الصحيح في الفكر والتطبيق النابع من الكتاب وصحيح السنة، وكان بريئًا من منطلقات القبلية أو الطائفية أو الجهوية، أو الحزبية، أو غير ذلك من الاعتبارات المذهبية أو الفئوية أو العنصرية، ورسخ هذه البنية دستوريًا في نظامه الأساسي الذي ينص على أن دستور المملكة العربية السعودية هو القرآن الكريم والسنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، واستمرت قيادته على عهد الوفاء لتلك المنطلقات الجوهرية الشريفة، ونجد ذلك ماثلاً في كثير من الأعمال الظاهرة في الداخل والخارج، ومن ذلك العناية الفائقة المتواصلة بخدمة كتاب الله، بتعليمه وتحفيظه وتفسيره وطباعته، وترجمة معانيه بلغات عديدة، ونشره وتوزيعه، وكذلك العناية بالسنة المطهرة، وإقامة المراكز المتعددة لخدمتها؛ تعليمًا وتحقيقًا وتوثيقًا وطباعة ونشرًا، وخدمة الحرمين الشريفين، والمشاعر المقدسة والعناية بكل ما يتصل بها عناية وتوسيعًا وتطويرًا وتحديثًا، وتقديم كل ما من شأنه تسهيل مهمة الحجاج، وتحقيق أمنه وأمانه، وتوفير سكينته واطمئنانه.
نتذكر في هذا اليوم ما يعيشه الوطن والمواطن من أمن وأمان، وما ينعم به من استقرار واطمئنان، في ظل رخاء وارف وعيش رغيد؛ فالمواطن يتقلب في جنبات هذا الوطن الفسيح الشاسع الأنحاء المترامي الأطراف، وكأنه يتقلب في أنحاء بيته الخاص، لا يخشى إلا الله، يمارس عباداته في هدوء وسلام، ويقوم بنشاطاته وأعماله العامة والخاصة في راحة واطمئنان، ويسعى في دنياه من أجل تحقيق ذاته، وتطوير مكتسباته في تفاعل إيجابي مع معطيات الوطن وخدماته.
نتذكر في يوم الوطن هذا أننا نعيش في وطن يتجدد ويتحدث، وطن يتعلم ويتطور، ينشد الإصلاح في عزم وحزم، يقدم رؤية شاملة طموحة تأخذ الوطن نحو المستقبل الواعد بمزيد التجدد والنجاح، وبمزيد التقدم والتطور في مجالات الحياة المتنوعة المتعددة، وهي رؤية ترتكز على الانتماء للعقيدة والوطن، وتحافظ على الهوية الوطنية، وتبني شخصية المواطن على أسس من القيم والعلم والعمل، وروح المشاركة والشفافية والتفاؤل.
نتذكر في هذا اليوم أننا في وطن هو في طليعة القيادة للعالم الإسلامي؛ بحكم موقعه الريادي، فهو يحتضن الحرمين الشريفين، وهو مهبط الوحي ومبعث الرسول والرسالة، وما يقوم به من خدمة قضايا الأمة، ومناصرة قضايا الإسلام والمسلمين، وفي طليعتها قضية الأمة العربية والإسلامية المركزية، وهي القضية الفلسطينية، وطننا هو مهد العربية لغة القرآن الكريم، وهو مسرح بيانها العربي في معلقاتها الشعرية، ونصوصها النثرية؛ من خطب وحكم ووصايا وقصص وأمثال، وطن الشعر والأدب ومكارم الأخلاق.