عبدالعزيز السماري
هذا المقال يحمل في معانيه كثيرًا مما كتبه داتشر كيلتنر في كتابه The Power Paradox، عن كيف نكسب ونفقد التأثير؟، ويتداول مفهوم السلطة بطريقتها التقليدية، بمعنى يمكنك إجبار شخص ما على فعل ما تريد من خلال الهيمنة أو الخوف أو الإكراه، أو بمفاهيمها العصرية حيث أثبتت التجارب عبر التاريخ أن إحداث تغيير في العالِمَ لا يأتي من خلال الإجبار، ولكن عبر التأثير في الآخرين بما في ذلك «القوة الناعمة»، وما يتعلق بها من أمثلة وقوة تأثير..
هناك دومًا تناقض في مشهد القوة، إِذ بينما نرتفع في التأثير الإيجابي من خلال السلطة، ونحدث تغييرًا في العالم، فقد نقع بلا وعي في سلبيات السلطة، فالقوة قد تغوينا دومًا إلى جانبها المظلم والمدمر، ثم ندفع الثمن غاليًا، فقد تؤثر القوة في كيفية إدراكنا للعالم ولأنفسنا، لأن إغواء السلطة الفطري قد يدفعنا إلى فقدان مهارات التوازن والتأثير الإيجابي، الذي أدى إلى اكتساب السلطة في المقام الأول..
لو استعرضنا تجارب القوة في المنطقة لأدركنا معنى ذلك، فالإكراه والظلم أفرط السلم الاجتماعي في بعض الدول، وأدى إلى تحول السلطة إلى وحش كاسر، لا يثق في أحد، وأصبح يرتكب الأخطاء حتى تحول إلى لقمة سائغة للغزاة، وهو ما يعني أن نبدأ في تأمل التجارب القريبة، ونبدأ نتعامل مع مفارقات القوة من خلال محاولة فهم ثقافتنا التقليدية للسلطة، بعدما تحولت إلى نوع من الكبسولة الزمنية المنتهية الصلاحية التي لم تعد تخدمنا، وتبدو في أبشع صورها في أطروحات بعض الإسلاميين والعسكر والقومية المؤدلجة بمصالح أشخاص.
فقد استندت في الماضي إلى القوة والقسوة والإكراه الإستراتيجي، وهو ما صاغه بدقة كتاب الأمير لنيكولا ميكافيلي في القرن السادس عشر، لكنها أصبحت قديمة تمامًا مثل نموذج مركز الأرض للكون، فما يحكم العالم الحديث هو نوع مختلف من القوة - أكثر ليونة وأكثر ارتباطية ومبنية على السمعة وليس القوة المباشرة، ويتم قياسها بقدرة الفرد على التأثير في حياة الآخرين، وتغيير مسارهم بشكل إيجابي، ونحو الصالح العام، فالقوة الحقيقية في الحياة هي اليقظة والوعي للإنسان الحديث، وتظهر في المعاملات المستجدة في حياتنا الصغيرة، سواء كان عبر محاولة الأم لإقناع طفلها البالغ من العمر عامين لتناول الخضراوات، أو لإلهام زميل عنيد للقيام بعمله بصورة أفضل، فهي تعني النجاح في توفير فرصة لشخص ما، أو قد تكون طرح السؤال الصحيح على صديق لإثارة مكامن الفكر الإبداعي، أو تهدئة أعصاب زميل وإعادته إلى ليكون فعالاً في مجتمعه الصغير، أو توجيه الموارد العامة لتحويل المجتمع إلى بيئة أكثر سلامًا وإنتاجًا وتنافسًا..
هكذا اختلفت معاني ديناميكيات القوة بين الماضي والحاضر، فالمعنى يكمن في أنماط التأثير الإيجابي والمتبادل، ويظهر بوضوح في معاني التفاعلات المستمرة بين الجنين والأم والرضيع والوالدين، وبين موظفي الشركة، وبين وأصدقاء الطفولة والمراهقين والأشخاص العاملين في الأعمال المؤسساتية، وغيرها من المجموعات الإنتاجية أو الخيرية التي تتكون في المجتمع، هذا هو المعنى العصري للقوة أو الوسيلة التي نستطيع من خلالها التواصل من دون سلبيات أو تصادم مباشر، فهي تدفعنا إلى فعل مزيد من أجل التأثير الإيجابي على السلم الاجتماعي والدولي.