محمد سليمان العنقري
عندما وقعت الاعتداءات على المنشآت النفطية التابعة لشركة أرامكو، والتي تشير المعلومات الأولية إلى تورط إيران فيها، قفزت أسعار النفط عند افتتاح الأسواق بحوالي 20 %، ما يعادل 12 دولاراً منذ بداية جلسة التعاملات وأقفل سعر البرميل عند التسوية بذات اليوم بارتفاع بلغ 15 دولاراً، وهو الأعلى منذ العام 1988م، وكانت الأسواق تنتظر تقييم أرامكو لحجم الأضرار وتوقعات فترة الإصلاح وعودة الإنتاج لطبيعته قبل الاعتداء الجبان.
هذه الواقعة أكدت أن صمام أمان إمدادات الطاقة بالعالم هي المملكة، فبمجرد أن صدرت تصريحات طمأنت الأسواق بأن عودة الإنتاج ستعود لطبيعتها بفترة قصيرة، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقده سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، انخفضت أسعار النفط فوراً بحوالي 8 دولارات، ومنذ ذلك التاريخ والأسعار مستقرة حول 64 دولاراً للبرميل، لكن هذا الاعتداء بات نقطة مفصلية كما ذكر وزير خارجية فرنسا، ولن يكون وضع إيران بعده كما هو قبله، فلعل أكثر تصريح عبر بوصف دقيق لا يحتمل أي تأويل هو ما قاله وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوتشين بأن «الهجوم على منشآت النفط السعودية هجوم على النظام الاقتصادي العالمي»، ولذلك فإن إيران تجاوزت الخطوط الحمراء التي تمس العالم بأسره.
فكل دولار يرتفع بسعر النفط بشكل غير متوقع كحدث مثل هذا الاعتداء، يعني زيادة مفاجئة بفاتورة تكلفته على الاقتصاد العالمي بحوالي 36 مليار دولار سنوياً؛ أي أن الـ12 دولاراً التي ارتفعها خام برنت فوراً عند التداول بعد الحادثة، لو استمرت لمدة عام فإن إيران بفعلتها هذه تكبد الاقتصاد العالمي ما بين 350 إلى 400 مليار دولار تقريباً سنوياً، ومع ظروف الاقتصاد الدولي وما يعانيه من بطء بالنمو فإن أي ارتفاع بتكاليف الإنتاج أو النقل لأي سبب يزيد من الضغط على الدول، خصوصاً التي بدأت تعاني من ركود اقتصادي وهو تأثير يفوق ما هو متوقع من الحرب التجارية بين أميركا والصين، فالاقتصاد العالمي يتقبل أسعار نفط أعلى عندما ترتفع بشكل متدرج ووفق تطورات إيجابية بارتفاع النمو الاقتصادي مما يؤدي لزيادة الطلب على السلع ومن أهمها النفط، لكن القفزات الكبيرة المفاجئة التي تحدث بيوم واحد أو فترة قصيرة بالتأكيد لا يمكن استيعابها بسهولة، ولذلك فإن إيران اعتدت على الاقتصاد العالمي فعلياً وأصابت بالأضرار الدول المستوردة كافة للنفط، وهو ما جعل أميركا تفرض أقوى وأكبر عقوبات تاريخياً على إيران، وهي التي يخاطب رئيسها ترمب شعبه بأن أميركا لا تعتمد على نفط الشرق الأوسط، لكنها بالواقع تعي خطورة ما حدث وما هي آثاره على الأسعار، خصوصاً أنها تقوم بخفض أسعار الفائدة لحماية الاقتصاد من مخاطر محتملة مستقبلاً فالخطاب الانتخابي شيء وأمن الاقتصاد العالمي وإمدادات الطاقة فيه شيء آخر.
لاشك أن الدول المنتجة للنفط ترحب بأسعار مرتفعة والنفط سلعة ثمينة تستحق أسعار تتناسب مع أهميته لكن أي ارتفاع يكون صحياً وإيجابياً للمنتجين والمستوردين من المستهلكين عندما يرتبط بعوامل داعمة للنمو الاقتصادي التي تؤثر بزيادة الطلب لكن عندما يرتبط الارتفاع بأحداث عارضة وذات طابع جيوسياسي وأعمال إرهابية فبالتأكيد تكون ردة الفعل سلبية على الاقتصاد العالمي خصوصاً بالظروف الحالية التي تواجهه فمخاطر وقوعه بالركود قائمة، ولذلك فإن الدعم الذي تلقاه من خلال استقرار أسعار النفط بالفترة الماضية كادت إيران أن تبدده وتتسبب بكارثة عالمية لا بد أن يحاسبها المجتمع الدولي عليها بعقاب شديد وهو ما يفسر مواقف دول أوروبية كانت تحاول انتشال الاتفاق النوري من الفشل كفرنسا وبريطانيا وألمانيا لكن عندما ضربت مصالحهم أدانوا العمل الإجرامي وحملوا إيران مسؤوليته وطالبوا برد دولي فأمن الاقتصاد العالمي ركيزة الاستقرار الدولي فإن اهتز قد يتحول المشهد لحرب عسكرية واسعة النطاق.