عبدالوهاب الفايز
اليوم الوطني هذا العام تزامن مع حدث خطير على أمننا وسلامة مواردنا، وهو قصف منشآت النفط في بقيق وخريص.. حدث هز الوجدان الوطني لكل سعودي، أخذنا لنقف على منحى جديد للصراع في الشرق الأوسط، وكشف عن آخر ورقة يتستر بها مشروع ولاية الفقيه. هذا الحدث جعل الاحتفال باليوم الوطني يأخذ أبعاداً جديدة ومعاني عميقة، إذ استشعر الناس مدى ضرورة الاتجاه الثابت القوي إلى (تعزيز وبناء الجبهة الداخلية).. فالأحداث الجسام عودتنا على الالتفات السريع لكي نبحث عمَّا في أيدينا من مكتسبات.
استشعار المكتسبات والتطلع إلى المستقبل هو الذي جعلنا نتروى في قراءة الحدث الإرهابي الأخير، فهو استمرار لمشروع إيران التخريبي الكبير الساعي لتفكيك المنطقة، وهدفه الأكبر هو: تفكيك وتخريب بلادنا!.. لذا كانت الحكمة والصبر وحسن تدبير الأمور وإشراك المجتمع الدولي.. فالنظام الإيراني يعتقد أن المملكة تتعامل بـ(الفعل ورد الفعل)، وهذه ذهنية أيّ نظام يتبنى تصدير الثورة، فالتركيز على إدارة الشر تجعله لا يتعامل بمفهوم واعتبارات الدولة.
عصابة الملالي ومؤسستها العسكرية دولة داخل دولة، وهذه العصابة تتمنى الدخول في حرب جديدة، فهذا منتهى طموحها، دينها المقدس هو إشعال الحروب والفتن وترتيب المؤامرات.. وقد برعت في ذلك، بل تُفاخر به، وتعده انتصارها الكبير على العرب، بعد احتلال أربع دول!.
بلادنا قدرها أن تكون في الواجهة، والدور القيادي لا يمكن أن يتحقق بدون ثمن، وبلادنا ظلت منذ تأسيسها تدفع التكلفة العالية مقابل مواقفها العربية والإسلامية. المشروع الصهيوني الذي زرع إسرائيل في المنطقة لا يقبل ولم يقبل أن يرى بلداً، بحجم المملكة ومكانتها الروحية والاقتصادية، يقف ضد هذا المشروع. أيضاً مشروع ولاية الفقيه الصفوي استهدف المملكة متخذاً شعار تحرير القدس الغطاء الكاذب المخادع.
كذبة تحرير فلسطين ظلت تتكشف منذ تشارك نظام الملالي مع حكومة المحافظين الجدد الأمريكية في احتلال العراق ونهب ثرواته، فالصواريخ الإيرانيه تطلق على المملكة وطائرات إسرائيل تقصف المواقع الإيرانية في العراق وسوريا، ولم يحتج الإيرانيون أو حلفاؤهم، وسكتوا لأن الوقائع لا تخدم كذبة (الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل) التي تعلق على صدور الأطفال العرب!.
لقد واجهت المملكة مشروع ولاية الفقيه منذ اتضح كذبه ونية عدوانه على العالم العربي، فقد انكشف منذ بداية تصدير الثورة وإعلان الحرب على العراق. وقفنا ضد هذا المشروع في العراق ودعمنا الشعب العراقي لأننا نعرف ما هي غايات القوى الأجنبية من احتلال العراق.. فالاحتلال الإيراني الأمريكي للعراق قاده إلى الدمار والخراب ثم الانهيار، وهذا أدى إلى سرعة انهيار سوريا، وأبقى لبنان تحت احتلال حزب حسن نصرالله، وكانت الجائزة الكبرى المنتظرة للمشروعين الصهيوني والإيراني هي: انهيار مصر والسودان.
لذا وقفت المملكة بقوة ضد انهيار مصر، بالذات بعد دعم الرئيس أوباما لمشروع الإخوان المسلمين. لقد اتضح للعقلاء حينئذ أن مشروع الربيع العربي لم يكن سوى مشروع تخريب دعمته العصابة الليبرالية المتطرفة في أمريكا وتولت قطر حليفة الإخوان المسلمين تمويله وتسويقه إعلامياً عبر قناة الجزيرة، (وكر الجواسيس وعملاء النفوذ المتعدد الأطراف). وكان تحالف الإخوان المسلمين مع الأمريكان مفارقة سريالية المشهد، حيث عرت (الحزب السياسي) وكشفت مشروعهم المتحالف مع الشياطين.
الدعم السعودي لمصر كان هدفه حمايتها من مشروع المجموعة الخطير.. والرهان السعودي كان عند غاياته النبيلة، فهذه مصر تتقدم في مؤشرات النمو الاقتصادي، وتواصل حل مشاكلها الداخلية والخارجية، ونجحت مصر، بدعم السعودية والإمارات، بإنقاذ السودان.
وبحول الله الموقف السعودي من (نظام الحمدين) سوف يكشف للشعب القطري أن الموقف السعودي مع النظام ليس موجهاً ضدهم، بل يستهدف مشروع التخريب للمنطقة، وتبعات هذا المشروع المدمرة مستقبلاً سوف يتحملها الشعبان السعودي والقطري. وهذا يقال أيضاً عن حربنا مع جماعة الحوثي الإيرانية. وقفنا ضدها لحماية اليمن من مشروع متعدد الأطراف يستهدف إسقاط الدولة وتفكيك البلد، وأيضاً الشعبين السعودي واليمني هما أول من سوف يتقاسم مرارة الانهيار للبلد وتشرد سكانه.
هكذا نحن نرى الأمور ونتخذ قرارات الحرب والسلام. القارئ الواعي للمشهد في المنطقة ينظر إلى ما هو أبعد من الحدث نفسه. ينظر إلى البعد الإستراتيجي الذي يُلقى الضوء على المراد تحقيقه على المدى الطويل، فالهدف القريب قد لا يكون واضح المعالم لما يراد تحقيقه لشعوب المنطقة.
المملكة اضطرت إلى التدخل في هذه الملفات الساخنة لتدارك مخاطرها المستقبلية، فتأخير العلاج يجعلها أخطر وكلفتها أعلى، مالياً وأمنياً وعسكرياً، وما يحدث الآن خير شاهد. فلو تم (التصدي العربي) بقوة مبكراً لمشروع تصدير الثورة لما رأينا الإيرانيين يبتهجون بسقوط العواصم الأربع، ولما رأينا الصواريخ تدنو أكثر فأكثر!.
وعموماً، بعد كل هذا الانتظار والصبر، يبقى (الحلم) سيد الموقف. نحن نفكر بالمستقبل والبناء والسلام.. وإيران ما زالت تفتش في دفاتر الماضي بحثًا عن المظلومية وذرائع الانتقام والعدوان.