د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
للحروب في القانون الدولي المستمد من ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بالحرب ius ad bellum ثلاثة أوجه أو مراحل: الأولى مرحلة ما قبل الحرب وتسمى antebellum، وهي تتعلق بمبررات الحرب ودوافعها ومدى قانونيتها. وهناك سبب واحد مشروع للحرب وهو الدفاع عن النفس عند التعرض لهجوم. أما المصالح الحيوية كالحق في اقتسام المياه أو الحق في التنقيب عن الثروات في المياه الإقليمية وغيرها فتحل عن طريق التفاوض.
وهناك قوانين ومعاهدات دولية تنظم عملية حل المنازعات حول مثل هذه الأمور. غير أن القوانين الدولية مثلها مثل القوانين الأخرى تخضع لعمليات معقدة تتعلق بتفسير هذه القوانين أحيانا تصل لحد التلاعب بهذه القوانين. فالغرب مثلاً يعتبر ما يسميه الدفاع عن قيمه جزء من الدفاع عن وجوده. وإسرائيل هاجمت دول عربية ودمرت جيوشها واحتلت أراضيها بحجة الدفاع عن وجودها وفعلت ذلك في حروب استباقية دون أن تتعرض لأي هجوم فعلي. والحقيقة أنه في مراحل الحروب كافة تكون هناك حروب إعلامية موازية فللإعلام أهمة كبرى في شن الحروب سواء كان ذلك لحشد التأييد أو رفع معنويات الجيوش أو شن حروب نفسية على الخصم. جميع الحروب تسبقها حروب إعلامية إذا جازت لنا التسمية لتبرر هذه الحروب داخلياً وخارجياً. ومع تحول العالم لقرية واحدة ازداد دور الإعلام أهمية في هذا الشأن.
وقد استعانت حكومة الولايات المتحدة بخبير نمساوي مشهور في العلاقات العامة هو إدوارد بيرنيز لتسويق تدخلها لجانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية تحت شعار: «اجعلوا العالم أكثر أمنًا من أجل الديمقراطية» فدخول الحرب كان حسب الشعار من أجل الديمقراطية وليس المصالح.
خلاصة القول إن الحياد أو التحفظ الإعلامي لا يعد خياراً حكيمًا لا قبيل الحروب ولا أثنائها ولا بعدها. ومع تطور وسائل الإعلام أصبح الإعلام يصنع الحقائق ولا يبرزها فقط. فقد تكون الحرب مشروعة ومبررة قانونياً بالنسبة لطرف ما ولكن الإعلام يتجاهل ذلك ويقلب الحقائق كما يحصل حاليًا في حرب اليمن حيث يتجاهل الإعلام الغربي الحديث عن الأسباب الحقيقة للحرب واستيلاء عصابات الحوثي على السلطة في انقلاب غير شرعي بالتعاون مع إيران، مع العلم أنه لا يوجد أي صفة سياسية أو مستند سياسي شرعي لكيان الحوثي في اليمن عدا كونه كيان عصابات مذهبيا متطرفا. وركز الإعلام الغربي على الجانب الإنساني للحرب فقط باتهام طرف الشرعية فقط دون الطرف الآخر بالتسبب في ذلك. وتم تجاهل جرائم الحوثي بشكل تام. وارتكز الإعلام الغربي بشكل شبه كامل على استراتيجية تجاهل أسباب الحرب أو شروط تسويتها.
أما التغطية الإعلامية لسير الحرب، ما يسمى jus in bello فترتكز على استراتيجية حصر التغطية الإعلامية في الحديث عن السعودية القوية والغنية واليمن الفقير المستضعف وتصوير الحرب على أنها سعودية يمنية ولا ذكر أو تنويه ولو بشكل عابر للشرعية وهي الطرف الثاني الحقيقي للحرب، لأن ذلك سيظهر حقيقة الطابع الأهلي للحرب، ولا يدع مجالاً للتعاطف مع الحوثي على أنه الجانب المستضعف في الحرب. فمعروف إعلاميًا وإنسانيًا ميل المتلقي للتعاطف مع الجانب الأضعف. فالكلام كله عن حصار اليمن والحرب عليه وليس عن المساعدات السعودية الضخمة المباشرة وغير المباشرة لليمن. فلا ذكر لوجود الجزء الأكبر من القوى العاملة اليمنية قي السعودية تعمل بكل أريحية وترسل الأموال دون قيود لليمن. وعندما يرتكب الحوثي عمليات إرهابية ضد المدن السعودية يصور ذلك على أنه ردة الفعل الوحيدة المتاحة له. أما إعلام التحالف فلم يبلور أي استراتيجية واضحة واكتفى بردود فعل مختلفة من خلال أفراد يظهرون بشكل منفرد ومتقطع. والحقيقة أن إعلام التحالف موجه في معظمه للمتلقي الداخلي والإقليمي فقط.
وفيما يتعلق بأمور التسوية فيما بعد الحرب jus post-bellum فالإعلام الغربي يكرر مطالباته بالوقف الفوري للحرب بصرف النظر عن أية تسويات ويطالب بوقف بيع السلاح للجانب الشرعي دونما ذكر لمصادر تسليح الحوثي أو مطالبة إيران بوقف تدخلها. والحقيقة أن الموقف الأمريكي المتذبذب من حلفائه في المنطقة لم يخدم هذه الدول بل ربما أضر بها. أما المواقف الأوروبية فهي مخجلة وتتصف بالنفاق وخلط الحقائق.
وخلاصة القول إن الأداء الإعلامي لمعسكر الشرعية لا يتناسب مطلقًا مع الجهود الضخمة التي تبذل سواء على الصعيد العسكري أو الإنساني. والصورة الإعلامية الخارجية لدولة مثل المملكة لا تتناسب مع حجمها أو قوتها أو تأثيرها العالمي. ويكفي أن نعرف أن قناة الجزيرة باللغة الإنجليزية تنفرد بالفضاء الإعلامي الخارجي وهي التي توجد في فنادق العالم كافة!!