إذا كان عام 1390هـ قد شهد إنشاء أول وزارة للعدل في المملكة، فإن البدايات الأولى لتأسيس القضاء قد جاءت على يد المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الذي أعلن عبر جريدة أم القرى عام 1343هـ تعيين الشيخ محمد المرزوقي قاضيًا لأول مرة في مكة المكرمة، وما تلا ذلك في عام 1344هـ من تشكيل دائرة القضاة بمكة المكرمة برئاسة الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رئيسًا للقضاء بالمنطقة الوسطى والشرقية والشمالية قبل أن يصدر أمر المؤسس - رحمه الله - بتوحيد رئاستي القضاة تحت رئاسة واحدة تولاها مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها.
ولقد قامت وزارة العدل منذ إنشائها برعاية العمل القضائي وتطوير الإجراءات التي استقرَّ عليها، والتي شكلت حجر الأساس للنظام، لتتحول فيما بعد إلى أنظمة مكتوبة مثلت بمجموعها نظام السلطة القضائية، حيث جاءت على مراحل زمنية متتالية، لتستمر بعد ذلك أعمال التطوير التنظيمي في الوزارة لتضيف لبنة من الإنجاز في كل عهد من عهود الدولة السعودية المباركة، إلى أن جاء عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي تعاهد إكمال مسيرة البناء في مرفق القضاء وتعهده بالرعاية، حيث سعت وزارة العدل لتنظيم الآليات اللازمة لتحقيق الإنجازات الهادفة إلى تطوير مرفق القضاء بما يستوجبه العصر من معطيات وبما تشهده المملكة - وهي تعيش يومها الوطني الـ89 - من تطور في هذا العهد الزاهر لتحقق وزارة العدل إنجازات مهمة عبر إطلاق مشروعات قضائية ومبادرات عدلية وإجراءات تطويريه أحدثت نقلة نوعية وتطورًا ملموسًا في مرفق القضاء بشكل عام.
وتستهدف هذه المشروعات والمبادرات وفق رؤية المملكة 2030 تطوير واختصار الإجراءات القضائية والتوثيقية وحوكمتها، وتقليص فترات التنفيذ، وتقديم خدمات عدلية متميزة، تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله-. حيث شهدت الوزارة مؤخراً اكتمال منظومة القضاء المتخصص بتدشين معالي وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني للمحاكم العمالية بعد فترة وجيزة من إطلاق المحاكم التجارية، إضافة إلى تدشين مرحلة التحول الرقمي للتوثيق، حيث أصبحت الوكالات رقمية دون الحاجة لاستخدام الورق. حيث شرعت كتابات العدل في أنحاء المملكة كافة، بخدمة المستفيدين وفقاً للمرحلة الرقمية التي انطلقت مؤخراً، مستغنية عن الورق وممكنةً المستفيدين من إصدار الوكالات منخفضة المخاطر عبر بوابة الوزارة www.moj.gov.sa ، دون الحاجة لزيارة كتابات العدل. وكشفت الوزارة مؤخراً عن أن المعدل اليومي للوكالات الرقمية التي تصدر دون الحاجة لزيارة كتابة العدل تفوق الـ1000 وكالة رقمية يومياً.
كما أعلنت وزارة العدل للمرة الأولى في تاريخها توظيف عدد من الوظائف للنساء بمسمى «كاتب عدل» على المرتبة السابعة، للعمل في كتابات العدل بمختلف مناطق المملكة.
وباشرت الموظفات الجديدات في وزارة العدل اللاتي دخلن المجال للمرة الأولى في تاريخ الوزارة بعد الإعلان عن وظائفهن العام الماضي، بعد أن وجه معالي وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء بمنح المرأة فرصة العمل في 5 مجالات. في الوقت الذي دشن معاليه مركز العمليات العدلي الذي شكل خطوة جديدة لضمان جودة الأداء والشفافية في منظومة العمل العدلي ومتابعة أعمال المحاكم وكتابات العدل وقطاعات الوزارة بشكل رقمي كامل مما يرفع من مستوى الإنجاز ودقة المتابعة اليومية والتشغيلية والإستراتيجية.
كما أعلنت الوزارة إضافة خدمات جديدة عبر بوابة «ناجز» وتطبيقها للهواتف الذكية الذي يمكن تنزيله من المتاجر الإلكترونية المختلفة، أبرزها الاطلاع على صك الحكم وضبوط الجلسات إلكترونياً.
في الوقت نفسه أطلقت وزارة العدل من خلال المحكمة العمالية ومحكمة الأحوال الشخصية بالرياض خدمة المصادقة الإلكترونية على محاضر ضبوط الجلسات بالربط مع مركز المعلومات الوطني وخدمة التحقق عن طريق الجوال المسجل في أبشر، كما أتاحت الوزارة خدمة التوقيع الحي على الشاشة في حال تعذر التحقق من خلال البصمة لأحد أطراف الدعوى ولم يكن مسجلاً في أبشر.
محكمة نموذجية
وخلال العام الماضي، أطلقت وزارة العدل مشروع «المحكمة النموذجية» بهدف ترسيخ البناء المؤسسي للقضاء عبر تطبيق السياسات الإدارية والأنظمة العدلية، والمبادرات التحولية، والبرامج التشغيلية المرتبطة بالمؤشرات، بما يسهم في تطبيق المشروع بشكله النموذجي على بقية محاكم المملكة، في الوقت الذي اعتمد وزير العدل القواعد الجديدة للمصالحة، وذلك ضمن مبادرة تفعيل منظومة المصالحة، إحدى مبادرات وزارة العدل في برنامج التحول الوطني 2020؛ والهادفة إلى جعل المصالحة والوساطة خياراً لحل النزاعات.
كما دشن معاليه خمس خدمات جديدة منها خدمة «الشكوى الإلكترونية» للمستفيدين من خدمات المحاكم وكتابات العدل، وستمكن الخدمة المستفيد من تقديم شكواه إلكترونياً وفق الأنظمة المعمول بها، بهدف تحسين جودة الخدمات المقدمة، كما تهدف الخدمة إلى رفع جودة ودقة البيانات المقدمة للمستفيدين.
خدمات خارج الحدود
وضمن الخطوات التطويرية التي يشهدها المرفق العدلي، تم إطلاق نظام إصدار الوكالات الإلكترونية من خلال السفارات والقنصليات السعودية في الخارج ليستطيع المواطنون العمل بها مباشرة، بعد تقليص الإجراءات الطويلة السابقة. وبدأت بتفعيل النظام ابتداءً من سفارة المملكة وقنصلياتها في مصر بالإضافة إلى السفارة في المملكة الأردنية الهاشمية والسفارة السعودية في الإمارات العربية المتحدة وقنصليتها في دبي، على أن تتوسع لاحقاً لتشمل ممثليات المملكة في أنحاء العالم، مع الاكتفاء بالتصديق الإلكتروني من خلال قنوات التحقق الإلكترونية للوكالات المراد العمل بها خارج المملكة.
خطوات تطويرية
وضمن الإجراءات التطويرية، وجَّه معالي وزير العدل رئيس مجلس إدارة صندوق النفقة الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني، ببدء الصندوق في استقبال طلبات من صدر لهم حكم قضائي نهائي باستحقاق النفقة ولم ينفذ من المحكوم عليه، على أن تبدأ المرحلة التطبيقية الثانية للصندوق خلال العام الحالي، فيما سيشهد العام القادم المرحلة الثالثة والنهائية.
كما دشن معالي وزير العدل نظام «ناجز المحاكم» في 177 محكمة من محاكم الدرجة الأولى في كل أرجاء المملكة بهدف توحيد الإجراءات فيما بينها، وتوظيف التحول الرقمي في بناء القضاء المؤسسي، وسرعة البت في المنازعات.
كما تم إنشاء مراكز متخصصة تهدف إلى توفير بيئة ملائمة للعائلة، عبر مبادرة «شمل» التي أطلقتها الوزارة بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني المختصة، وذلك سعياً منها إلى تنفيذ أحكام الحضانة والرؤية والزيارة على نحو أكثر جودة وإرضاء للمستفيدين. وأعلنت الوزارة شروعها في تهيئة 47 مركزًا لتنفيذ أحكام الرؤية والحضانة، في 11 منطقة، بالتعاون مع عدد من الجمعيات الخيرية في القطاع الثالث غير الربحي، ضمن مبادراتها في برنامج التحول الوطني 2020.
كما استطاعت الوزارة تغطية كتابات العدل المتنقلة لـ21 مدينة في المملكة، في كل من الرياض، جدة، الدمام، الخبر، الظهران، المدينة المنورة، مكة المكرمة، بريدة، عنيزة، تبوك، أبها، خميس مشيط، الأحساء، الجبيل، عرعر، سكاكا، حائل، نجران، جازان، الباحة، الطائف، والحد الجنوبي.
اكتمال الربط الإلكتروني
بلغ إجمالي الجهات المرتبطة بوزارة العدل إلكترونياً نحو 40 جهة، لتبادل البيانات والمراسلات عبر ربط إلكتروني؛ ليكون بديلاً عن التعاملات الورقيّة؛ بهدف تسريع وتيرة العمل، بما ينعكس إيجابيًا على المستفيدين ويوفر عليهم الوقت والجهد.
كما أطلقت وزارة العدل بوابتها التفاعلية الإلكترونية الجديدة التي تستهدف تحسين تجربة المستفيدين من الخدمات العدليّة والقضائية المقدّمة من خلال البوابة التي تأتي بنسخة مطوّرة ومتوافقة مع جميع أنظمة التشغيل والأجهزة الذكيّة، حيث تأتي هذه البوابة مواكبة للتحول الرقمي الذي تشهده الوزارة بمختلف أعمالها ومرافقها، وتضم البوابة نحو 90 خدمة إلكترونية متنوعة بين خدمات قضائية وأخرى تخص قطاع التنفيذ، وامتد ذلك للجهات المرتبطة تنظيمياً بالوزارة، إذ أعلنت عن سبع خدمات إلكترونية جديدة للمحامين والمتدربين، من خلال بوابة الخدمات العدلية الإلكترونية «ناجز» ما يغنيهم عن زيارة مقر الوزارة.
وأتاحت بذلك الوزارة عبر بوابتها الإلكترونية وتطبيقها على الأجهزة الذكية خدمتي الاستعلام عن طلب التنفيذ باستخدام رقم الطلب، والاستعلام عن طلب التنفيذ باستخدام رقم الهوية، وذلك بهدف التسهيل على المستفيدين وعدم حاجتهم للحضور إلى محاكم التنفيذ من أجل التأكّد من حالة الطلبات المقدمة.
وقد أسهمت الإصلاحات التي اتخذتها وزارة العدل عبر خطواتها التطويرية في تقدم مرتبة المملكة في مؤشر إنفاذ العقود 24 مرتبة، حيث شهد مؤشر إنفاذ العقود التحسن الأكبر في ترتيب المملكة مرتفعاً من المرتبة 83 إلى المرتبة 59 عالمياً، جاء ذلك في تقرير سهولة ممارسة الأعمال 2019م، والذي صدر خلال العام المنصرم عن مجموعة البنك الدولي والذي ينشر في شهر أكتوبر من كل عام، حيث تقدمت المملكة هذا العام في 4 مؤشرات مرتبطة بتقرير ممارسة الأعمال، وهي «مؤشر حماية أقلية المستثمرين، مؤشر إنفاذ العقود، مؤشر استخراج تراخيص البناء، ومؤشر التجارة عبر الحدود».