سعود عبدالعزيز الجنيدل
الطبيعة البيولوجية للكائنات الحيَّة جميعاً، بما فيها الإنسان تدل على قرب الفناء كلما تقدَّم العمر، وخلال هذه المستويات العمرية المختلفة تتبدَّل أشكال وهيئات وصفات، فمثلاً في حال الإنسان، يبدأ صغيراً ويحتاج إلى عناية كاملة، وشيئاً فشيئاً يستطيع ترك الاعتماد على الآخرين حتى يستقل في كامل شؤون حياته، وتتحوَّل صفات كثيرة في شكله الخارجي ويكتسب قدرات ومهارات كل على حسب شخصيته وهمته وجيناته الوراثية، ثم تتحوَّل تلك القوة إلى الضعف، حتى بعدها يقضي نحبه.
ولكن ثمة سؤالاً يطرح نفسه: هل هذه السُّنة الكونية التي تعد قانوناً لا تستطيع الكائنات الحيَّة التملُّص منه، تنطبق على وطن ينبض بالحب والعطاء والبذل والإنجاز، وطن اسمه المملكة العربية السعودية -ومع كامل احترامي لنظرية ابن خلدون في قيام الدول والأطوار التي تمر فيها- إلا أنني أقول: لا.. نعم، أقول لا وأنا في كامل قواي العقلية، واعتقادي الجازم الذي لا يخالطه أدنى شك وريب، وفي جعبتي عشرات الأدلة، بله مئاتها.. خلال 89 عاماً عاشها موطني تعرَّض أثناءها إلى كل التحديات، والمحن والصعوبات، واستطاع بفضل من الله ثم بحكمة قادة هذه البلاد بدءاً من الملك المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيَّب الله ثراه - حتى العهد الزاهر، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز تجاوز تلكم التحديات وبنجاعة ليس لها مثيل.
وعوداً إلى الإجابة عن السؤال في رأس المقال (89 عاماً ماذا تعني) أقول: الاستمرار في البناء والعطاء، وعدم الركون إلى إنجازات السابقين، وهذا ديدن وطني استمده من تراثنا العربي الذي نفتخر به ونفاخر به الآخرين. فهذا إمام العربية الجاحظ يقول: «إذا سمعت الرجل يقول: ما ترك الأول للآخر شيئاً، فاعلم أنه ما يريد أن يفلح».
وكذلك من مؤسس هذا الوطن المترامي الأطراف الملك عبدالعزيز، حين لاحظ أن «الاستاذ» (البناء) قد كتب على مدخل قاعة الاستقبال البيتين التاليين:
لسنا وإن كرمت أوائلنا
يوماً على الأنساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا
تبني ونفعل مثلما فعلوا
إلا أن الملك عبدالعزيز طلب من البناء أن يعدل البيت الأخير ليصبح:
نبني كما كانت أوائلنا
تبني ونفعل (فوق) ما فعلوا
العصر الحديث الذي يقوده بكل اقتدار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الرجل الذي عاصر الأحداث العظام، ولم تزده إلا قوة ومتانة وحكمة، رجل التاريخ الذي استمد خبرته من كنف والده، وإخوته، ومعاصرة النوازل التي فتكت بأوطان ودول، إلا أنه استطاع بفضل من الله ثم بفضل ما يتمتع به صفات وكارزيما أهلته وبكل اقتدار أن يقود هذا الوطن، ومعه العالمان العربي والإسلامي إلى بر الأمان، وحينما تكالبت الظروف والأطماع والمحن على بعض الدول الشقيقة، وانزلقت في وحل من الأطماع وتدخلات الدول، قطع بيده كل هذه الأحلام الإجرامية، وجاءت عاصفة الحزم لتعصف بكل هذه الأوهام التوسعية. ويأتي سمو ولي العهد، خير عضيد لخادم الحرمين الشريفين، شابٌ طموحه لا يحد أفقه الواسع إلا عنان السماء، ومعه خارطة الطريق (رؤية 2030).
وختاماً أقول وبكل ثقة، وطني سيستمر -بإذن الله- في التقدم والازدهار، في مضمار التنافس ومواكبة الدول المتقدِّمة، دستوره كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، تحت قيادة الملك سلمان وولي عهده الأمين.