أ.د. يوسف بن أحمد الرميح
إذا ذهب الأمن والأمان ذهب كل شيء.. بل إن الحياة نفسها لا قيمة لها ولا معنى لها مع الفزع والرعب وغياب الأمن والأمان.. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها..» وقد بدأ صلى الله عليه وسلم الحديث بالأمن.. فهو الجامع لكل شيء وهو عماد كل الأمور. وعندما ينعم الإنسان بالأمن تتحقق له عافية البدن، ويستطيع أن يوفر قوته ويكتسب رزقه.. وإذا غاب الأمن غابت العافية وعجز المرء عن العمل وتوفير قوت يومه.. فلا عافية ولا عمل ولا تنمية ولا حركة في بيئة غير آمنة.. وعندما ينعدم الأمن يهرب الاستثمار ورأس المال، وتتوقف الحركة الاقتصادية، ويحدث الانهيار الاجتماعي وتقع الفتن ويشيع القتل ويفقد الناس الانتماء لأوطانهم ويهربون إلى بلاد يبحثون فيها عن الأمن والاستقرار. وليس صحيحاً أبداً أن موجات الهجرة الجماعية واللجوء تعود أسبابها إلى دواع اقتصادية أو للبحث عن فرص عمل أو مجالات للرزق أوسع.. ولكن السبب الأهم هو البحث عن الأمن المفقود في البلاد التي تضربها الفتن وتعصف بها الحروب.. الأمن هو الدافع الأهم والأكبر لترك الأوطان.. وهذا ما نراه في كل الدول التي عصف بها الخريف العربي. والدول التي حققت الطفرة الاقتصادية والحضارية هي التي عرفت السر وأمسكت بيد بها مفتاح الانطلاق، وعرفت أنها إذا حققت الأمن حققت كل شيء.. إذا وفرت الأمان والاستقرار توافر لها كل شيء.. وليس صحيحاً أن المال هو الذي يصنع الفارق.. لكن الصحيح أن الأمن والأمان وحدهما هما اللذان يصنعان هذا الفارق.. فلا حياة ولا دنيا ولا حضارة ولا تقدم ولا رخاء بلا أمن.. وإذا أمن المرء أنتج وأبدع وانطلق لا تحده حدود.. إذا تحقق له الأمن أحب وطنه حتى ولو كان هذا الإنسان فقيراً.. فالفقراء لا يكرهون أوطانهم,, ولكن غير الآمنين على أنفسهم وأسرهم هم الذين يفقدون الانتماء للأوطان ويهاجرون. أشياء كثيرة يتمتع بها الإنسان، ولكنه لا يستشعر قيمتها، إلا عندما تتوارى, والأمن أهمها. أتحدث عن الأمن بمفاهيمه الشاملة. شعور المرء بالأمان على نفسه وأهله وبيته وماله لا يشبهه شعور. ونحن في المملكة ننعم بهذه المزايا، وبلادنا مأوى أفئدة الأمة الإسلامية جمعاء، إذ يأوي إليها الحاج والمعتمر، حيث يجدون في أرضنا المباركة الرفادة والضيافة ونبل التعامل. أمن المواطن والمقيم، وأمن ضيوف المملكة من الحجاج وامعتمرين، وتقديم الخدمات لهم دون منة...كل هذا يتم من خلال بنية متكاملة، أسهمت في بنائها قيادات المملكة منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه- وحتى هذا العهد الزاهر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده يحفظهما الله. وهناك من يسعى لاستغلال غياب وعي البعض بقيمة الأمن باعتباره ضرورة حتمية حياتية وذلك من أجل نشر مفاهيم وأفكار تسعى للتحريض والتحريش والفتنة وللأسف فلقد هيأت التطورات التي شهدتها منصات التواصل الاجتماعية بيئة خصبة لاختطاف الرأي العام وتوجيه بوصلته لتهديد استقرار الشعوب. هذا السيناريو تم استخدامه لاستهداف الوحدة الوطنية في عدد من البلدان، وكان كثير من خصوم الاستقرار يسخرون جيوشهم الإلكترونية وقنواتهم الفضائية لتهييج الناس وتجعلهم يكرهون بلادهم. ولنأخذ مثلاً عدداً من أغني الدول النفطية في العالم ففنزويلا مثلاً وهي الدول الكبرى بالنفط, يشعر 29 % فقط من سكانها العام الماضي بالأمان. وبالطبع هم لهم عذرهم في ذلك، حيث يموت سنويًا أكثر من 53 شخصًا من بين كل 100 ألف منهم. وللأسف، هذا الرقم آخذ في الازدياد مع الوقت على مدار العقود الماضية ويكفيك مثلاً أن تعرف أن التضخم في تلك البلاد زاد عن 17000 % خلال العشر سنوات الأخيرة وهذا الذي قال إنه أحد الصحفيين أن قيمة استئجار شقة عام 2000 تساوي قيمة فنجان قهوة عام 2018م. وخذ مثلاً آخر فقد نشرت صحيفة «الإندبندنت» تقريرًا سلطت فيه الضوء على الفساد الذي ينخر في ليبيا، ما أدى على دخول ثلث سكانها في فقر مدقع، رغم أنها تعد من أكبر الدول النفطية, وقالت صحيفة «الإندبندنت» «إن ليبيا يمكن أن يطلق عليها أنها دولة منكوبة بثرواتها من الموارد الطبيعية، فرغم امتلاكها أكبر احتياطيات نفطية في إفريقيا، وعاشر أكبر احتياطي في العالم، يعيش أكثر من ثلث سكانها في فقر مدقع، فكثير من مواطنيها يعيشون دون مصادر مياه شرب نظيفة أو شبكات صرف صحي وأضافت الصحيفة، في تقرير رصدته أن سبب الفقر الذي تعاني منه البلاد هو بسبب ضعف الأمن والصراعات الداخلية.
ومثال ثالث هو إيران مع ما تملكه من ثروات نفطيه هائلة ومع ذلك يعيش غالبية شعبها في فقر مدقع فوفقاً لصحيفة «فورين بوليسي» المعروفة يعيش قرابة 40 % من شعب إيران تحت خط الفقر المدقع. ومن المرجّح حسب الصحيفة أن ترتفع نسبة هؤلاء الإيرانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلى 85 % من إجمالي سكان إيران مع ارتفاع التضخم 27 % في السنوات الثلاث الأخيرة, وبذلك تتصدر إيران دول العالم قاطبةً في نسب من يعيش تحت خط الفقر المدقع.
من هنا نستفيد أن النفط وغيره لا يعني الكثير فالأهم هو الأمن والاستقرار وهذا هو المطلب الرئيس للأمم والشعوب ولذلك قدمه رب العالمين عز وجل على الكفر والشرك مع أن الشرك أعظم الذنوب لذلك عندما قال ربنا عز وجل عن إبراهيم عليه السلام {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ}. ومن هنا نستفيد أننا لا نبيع وطننا المملكة العربية السعودية بأي ثمن حيث إنها مهبط الوحي ومنبع الإسلام وهي بالفعل واحة أمن واستقرار في وسط غابة موحشة مخيفة وموغلة في الظلمات من الجهات الأربع, فكل يتربص بنا الدوائر. وبيع الوطن من معانيه عدم حمايته والذود عنه والدفاع عنه فكلنا رجال ونساء أمن لهذا الوطن وكل على ثغر لحراسة وحماية هذا الوطن الذي أعطانا الكثير وقد آن الأوان لكي نرد الجميل لوطننا الحبيب. وصدق من قال: ( لا تذكر مطلقاً ماذا فعلت أنت لوطنك, وتذكر دائماً ماذا فعل وطنك لك)....