د. خيرية السقاف
لا يختلف اثنان في العجز عن تثمين قيمة الوطن، ولا يتنافسان إلا على بلوغها..
حين يكون المبتدأ هو الوطن، والمنتهى ليس غيره.
هو كل الحب، وكمال الشعور بالأمان..
والإنسان لا يحيا دون حب تربطه ألفته بما حوله، وتشده للامتزاج به..
والألفة اطمئنان، والاطمئنان أمان، والأمان حياة بكل معانيها..
الوطن حياة، بهدوء حيث السير في منعطفاته، والسلاسة في مفتاح أبوابه،
واليسر في التقاط لقمته، وبناء الذات به، وفيه..
المرء خارج أسوار وطنه غريب، والغربة عن الأوطان غير الغربة فيها..
إذ لا تجتمع على المرء غربتان في وطنه،
حتى حين يغترب المرء في أهله، أو في مجتمعه، فإن وطنه يحتويه في ركن منه،
لا يسلبه لقمته، ولا مأواه، ولا قطرة مائه، ولا لحاف إيوائه..
بينا غربته عن وطنه شتات بكل دلالة، وعلى أي وجه، ومنتهى الحقيقة..
الناس قد تجور به وإن هم في الوطن،
غير أن الوطن لا يفعل الجور به أبدًا..
الوطن يحتضن، يهب ولا تشح، يمد ولا يبتُّ..
شجره فيء، ومجراه رافد،
تربته تقل، وسماؤه تظل،
اسمه هوية، ورايته بوصلة..
حب الوطن لا حبٌ ينازعه، ولا مثيلٌ يضاهيه..
فاليوم، وما بعد، وما قبل: كلها أيام الوطن..
وغدا يومه الأنصع، وتاريخه الأبهى، يوم التم شمله، وتوحدت رايته، والتف سوره بشرقه، وغربه، وشماله، وجنوبيه..
يوم الحب، والانتماء، والألفة، والاطمئنان..
يوم التنافس في حبه، والاستلهام لكل نبضة في الجوف له..