سهام القحطاني
«الرجل يٌعرّف على أنه إنسان، المرأة تُعرّف على أنها أنثى، وحينما تتصرف المرأة كإنسان يقال لها إنها تقلد الرجل»-سيمون دي بوفوار-.
هذا ملخص الحركة النسوية العالمية «جدلية العلاقة بين الرجل والمرأة والمجتمع» هذه الجدلية التي تتضمن التعريفات والحقوق والواجبات والأحكام والقوانين المرتبطة بهم.
واكبت إرهاصات الحركة النسوية العالمية خروج المرأة للعمل، لأن ذلك الخروج هو الذي رفع الغطاء عن إشكالية التمييز الجنسي في مؤسسات العمل وغياب مساواة الجهد والقدرة والإنتاج لتجد المرأة العاملة نفسها أمام معياري تثمين لذات القيمة.
ثم ما لبثت الحركة النسوية المعارضة لتعسف أرباب العمل أن تحولت إلى حركة فكرية تنظيرية تتجاوز مساواة القيمة كرمز للإنتاج إلى الهوية والصلاحيات والحريات والمشاركة والاندماج بما تحمله من روابط تشريعية وقانونية.
وكان الرجل هو المعيار الوحيد والنموذج الأكمل لاستحقاقات الصلاحيات والحريات، ولذلك أصبح رمزا لتمثيل القيمة الكلية لأصل المساواة والحرية التي طالبت بهما تلك الحركة سواء على مستوى الأفعال أوالأفكار أوالعلاقات السيئ منها قبل الجيد والشاذ قبل السوي والطبيعي.
أما فيما يتعلق بالنسوية في السعودية فالحديث عنها لا بد أن ينطلق من سؤال «هل وُجدت نسوية في تاريخ تطور المرأة السعودية؟».
عندما تتأمل تاريخ تطور المرأة السعودية ستجد أن هناك حركة نسوية بصورة قد لا تتطابق مع الحركات النسوية الغربية سواء على مستوى الدلالة أو المؤشر، لكن يمكن القول بتوافق على مستوى الحاصل باعتبار التحقق.
فالنسوية عبر تاريخ تطور المرأة السعودية لم تكن مقصودة ايديولوجيا سواء على مستوى الشكل التكتلات والتحزبات والجماعات ولا على مستوى المضمون أي وحدتي المساواة والحرية، بل من خلال الضامن الاجتماعي، وهو ما يجعل المجتمع هو مجال وحدتي المساواة والحرية وليس الرجل.
لكن من ساهم في تطبيق اعتبار التحقق لمبادئ النسوية الظرف التاريخي والحضاري وقبلهما استيعاب الحكومة لقيمة المرأة المتنامي علما وثقافة ومشاركة ودورها ومسؤوليتها النهضوية في تطوير وتطوّر المجتمع منذ استحقاق تعليم الفتيات مروراً باستحقاق القيادة حتى استحقاق استقلالها اجتماعياً، وهذا لا يعني غياب ملامح النسوية التي كانت تتدرج كلما اتسعت مساحة تعليم المرأة كماً وكيفاً.
لذا يمكن تقسيم تاريخ ملامح تلك النسوية بتتابع تطور تاريخ المرأة إلى أربع مراحل:
المرحلة الأولى بدأت مع رائدات الكتابة القصصية السعوديات اللائي درسن في الدول العربية وتأثرن بالحركات النسوية العربية، لكن هذا التأثير كان محصوراً في أدب الكاتبات من خلال بطلات أعمالهن، وكانت تلك الكتابات تقليدا لقصص السينما العربية. ولم يكن لها أي تأثير على واقع المرأة في ذلك الوقت لارتفاع الأمية في أوساط النساء.
إضافة وهو الأهم أن الكاتبة السعودية في ذلك الوقت لم يكن لديها هدف المشاركة في تغيير واقع المرأة السعودية.
والمرحلة الثانية وهي مرحلة تكاد تكون متداخلة تقريبا مع نهايات المرحلة الأولى وهي اقتحام المرأة السعودية مجال الكتابة في الصحف، وإن كان على استحياء في بداياته، لكن كان له أكبر الأثر.
لقد كان هذا الاقتحام له دلالته؛ فالصحافة بكل فنونها وخطابها هي معادل للذكورة، وتواجد امرأة فيما يعدّ سلطة ذكورية في ذلك الوقت هو انتصار للمرأة السعودية في مجتمع حصر التعليم على الرجل دون المرأة والرأي العام على الرجل دون المرأة.
صحيح أن الكاتبة الصحفية في ذلك الوقت لم تهتم بالصورة الفاعلة في نشر مبادئ النسوية لتحرير واقع المرأة السعودية، لكن هذا لا يحرمها من استحقاق الريادة إنها مثّلت نموذجا نسويا بطريقة مقصودة أوغير مقصودة، عندما تساوت مع الرجل في الكلمة بصرف النظر عن قيمتها وأثرها على صفحات الصحف، فقد استطاع هذا الجيل أن يُشجع المرأة فيما بعد على اقتحام فنون الصحف والإعلام، وهذا أنا أعتبره من الإرهاصات النسوية الجادة في السعودية.
و المرحلة الثالثة يمكن احتسابها مع ظهور حركة الحداثة واقتحام المرأة لقصيدة النثر ثم كتابة الرواية.
ورث الوعي العربي عامة والسعودي خاصة أن «البوح بفنونه المختلفة شعرا ونثر» هو فعل ذكوري، غالباً ما تُمنع المرأة من ممارسته لأنه يتطلب كشفاً وفسقاً وتجاوزاً لحدود التنظيم الاجتماعي.
لكن مع ظهور طبقات من الفتيات السعوديات المتعلمات وتطور وعيهن الاجتماعي والثقافي وتعدد وسائل التعبير من صحف ومجلات ومنابر أدبية ومواكبة كل ذلك مع حركة الحداثة اقتحمت المرأة السعودية عالم النثر والرواية لتقف قدماً بقدم أمام الشاعر الرجل والروائي الرجل وحيناً تتفوق عليهما.
أما المرحلة الرابعة فيمكن تقسيمها إلى جزأين: أولهما ظهور «النقد المهتم بالمنجز الإبداعي للمرأة تحليلاً وتقييماً» وظهور الرسائل العلمية في هذا المجال وهو ما كفل للمرأة فرصة تكافؤ التواجد كفاعل ثقافي في الميدان أسوة بالرجل وأكدّ على دور منجزها الثقافي في الحركة الأدبية في السعودية.
والجزء الثاني هو ظهور وصف جديد على معجم الثقافة السعودية وهو وصف «الناشطة الحقوقية»، وهذا الجزء قد يكون أوضح ملامح النسوية في تاريخ المرأة السعودية.
وقد واكب هذا الوصف عصر العولمة وتعدد وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت ساحة تداول لقضايا المرأة السعودية وأزماتها على كافة المجالات، وظهر في ظلها طبقة من المثقفات يطالبن بإيجاد حلول تشريعية وقانونية لتلك القضايا والأزمات.
وأخريات لهن أجندات مجهولة يسعين إلى تشويه صورة المرأة السعودية.
لكن هذا لا يعني أن كل ناشطة حقوقية تدافع عن حقوق المرأة السعودية وتنادي باستحداث تشريعات وقوانين ضامنة لواقعية تلك الحقوق تحمل أجندة مجهولة الهوية، فهذه الفئة قليلة والأغلبية نجحن في إضاءة الشموع بدلاً من لعن الظلام، وإيصال صوت المرأة إلى صانع القرار.
والجملة الأخيرة في هذا المقام هي حضور الرجل في مساندة المرأة وقضاياها والمطالبة بتمكينها في كافة المجالات بدءا من محمد حسن عواد وحمزة شحاته وعبدالفتاح أبو مدين وصولاً إلى عبدالله الغذامي.