د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
حديثي اليوم فضاء مفتوح؛ وهيام جياش في أديم الأرض والتاريخ العظيم لأرسم محاكاة باذخة عن وطني النفيس (المملكة العربية السعودية) حيث سيكون غدًا الاثنين الأول من الميزان - الموافق للثالث والعشرين من سبتمبر تاريخًا مجيدًا ممتدًا عن تسعة وثمانين عامًا من تاريخ التأسيس المتين الذي طال واعتلى منصات المجد؛ وحاز أثمانها (وقد كان النفيس به البريقُ) ولمّا أن كان استيعاب الذاكرة للمكان أشد تأثيرًا في الأفراد والمجتمعات؛ وهو ما يتبلور في حب الوطن وعشق معانيه ومغانيه فقد حضرتْ في هذه المناسبة الوطنية التي احتضنتها بلادنا صور وأحداث من ماضي وطننا العريق تحمل دلالات السيادة اكتنزت بها وسائط الإعلام مزهوة؛ فتلك إرث وأحلام بيضاء كانت حين التأسيس تبحث عن جدوى الحياة في تخوم الصحراء التي أصبحتْ فيما بعد حقيقة حضارية مدهشة، وحكايات البطل الاستثنائي الغزيرة بالتجدد للملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الذي حمل جغرافية بلادنا العريقة بين يديه ليكتب -رحمه الله- تاريخًا عظيمًا من خلال روايات مفرطة في الشجاعة حتى امتدتْ تلك الإشراقات إلى حضور دولة قوية تتجلى في أوقاتها لتصبح بلا منازع صانعة سياسة إقليمية لا مثيل لها؛ فأصبحنا في دولتنا العظمى نعيش اليوم حقبة مهمة في تاريخنا الوطني تُمثل إضافة ذات قيمة عالية لمنجزاتنا الوطنية، وحازتْ بلادنا بفضل الله وقيادتنا العظيمة على حراك سيادي طموح لتحقيق رؤية استشرافية فريدة حتى رأينا أبجديات الرؤية العملاقة تسير محلقة، وفي عهدنا المستنير بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد مهندس الرؤية العملاقة الأمير محمد بن سلمان أخذت بلادنا بجواد المرحلة نحو أهداف بعيدة لتغيير الواقع فأصبحت السعودية الجديدة تسابق الزمن وتسبقه بإدارة جديدة وأسلوب مختلف.
فهذه بلادنا الأثيرة التي تحزم عزائم القوة، وتبُاري أوقات الإتمام وتجتازها سباقة، وتبني منصات الثراء الداخلي الذي يتجاوز الشفرات والمفاتيح الخارجية وسوف يعلو فوق ذلك مظهرًا بإذن الله؛ فالوطن قيمة عظيمة في الأمل والعمل في الحس والفكر والتأمل، في العروق ودمائها وفي العيون ونورها.
وفي كل عام تظلّ معاني اليوم الوطني الباذخة حزمًا من الانتماء والولاء؛ وكل صياغات التمجيد في المكانة والتمكين يذكر فيها اسمه؛ فوشائج الوطن في بلادنا تضرب بجذور متينة في رِكاز المجد، وتنزع إلى الأصالة، وترتبط بمبدأ قويم يفيض عدلاً وفضلاً، ومثالية متصلة، ومتعلقة بالقيم النبيلة التي دائمًا ما تكون جديرة بالاحتفاء والفرح وإعلان الاستحقاق الأول والأخير لهذه الأرض لنحملها فوق الهامات، ونباهي بها الأمم، ونتباهى بعزائم الرجال الذين صنعوا هذا الكيان
سقتها الغوادي كم بها من مرابع
يعطّر أنفاس النعامى عبيرها
إذا داعبتها السحبُ أو جسّها الصبا
تأرج مغناها وراق غديرها
إذا قادها عبدالعزيز لرآية
تهوّك مسعاها وغرّ غرورها
وفي يومنا الوطني المجيد التاسع والثمانين نلتقي بصور التأسيس والبناء باصطفاف مذهل ونُشعل فوق ثراها دروبنا نحو مستقبل متين بقوة نفوذ متنامية بإذن الله؛ فمعاني الوطن شحنات وطاقات قوية تتهادى فيها الكلمات فتعلو عن النسق المعتاد، فتشرئب أعناق اللغة مجلجلة بأن وطننا مضمار حياتنا، نتقابل في دروبه، ونتواشج في نواحيه، ونشتم رحيق ودّه، ونلتقي في حياضه الجميلة الممتلئة بالحواشي لصحراوية، والرياض الندية؛ وفي يوم الوطن حينما ارتبط بملاحم التأسيس التي توقد تلك المشاعر تعلوها منابع التنمية الوافرة ومصباتها الغزيرة حيث يتوالى في بلادنا حفز ذلك فاستصدرت القوانين واستحدَّثت التوجيهات والأوامر لصناعة الاستقرار والرخاء للبلاد فلبست ديارنا حللاً تنموية جديدة، فحُشدت لتحقيقها الموارد البشرية والميزانيات الضخمة، كما استحدَّثت قنوات تنموية جديدة فكانت قفزات شاسعة لصناعة التحول نحو تطوير قادم في التعليم والصحة والإسكان والتجارة والصناعة والزراعة والنقل وغيرها من مقومات الحضارة، وكان للشباب مفاصل أخرى انشق عنها ليلهم ليبلغوا في النهار أحلاه؛ فكان محيطهم باذخًا بكل منتج داعم ومحفز، وكانت حبال الوطن تربطهم، وأصبح ذلك الحراك يجوب بلادنا موئل المقدسات، وحاضرة الحرمين الشريفين تلك المقدسات التي تسمّى حكامنا بخدمتها تشريفًا.
وفي يوم التأسيس 89 لا بد أن تكون طقوس الفرح من محطات مشترَكة البوابات لنسير نحو التلازم والتآزر والتراحم في كل فضاءاتنا وأن نسعى إلى تمتين اللحمة الوطنية؛ وألا يكون هناك جدل حول مقاصد المواطنة فمناسبة اليوم الوطني وأمنه ثنائية سامية وهما ملحمتنا الحاضرة التي نشدو بها وتمثّل اتحادنا وتآزرنا إلى الأبد.