حمّاد السالمي
* غدًا الاثنين.. الموافق لليوم الأول من الميزان؛ نحتفل بمناسبة مجيدة عزيزة على قلوبنا، هي مناسبة (اليوم الوطني 89). هذه المناسبة الجليلة؛ تعود إلى المرسوم الملكي التاريخي الذي أصدره (الملك عبدالعزيز آل سعود) -طيب الله ثراه- من الرياض العاصمة برقم (2716)، وتاريخ (17 جمادى الأولى عام 1351هـ)، الذي قضى بتحويل اسم الدولة من: (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها)؛ إلى (المملكة العربية السعودية)، وذلك ابتداءً من (يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351هـ الموافق للأول من الميزان، والموافق يوم 23 سبتمبر 1932م).
* جاء هذا القرار التاريخي العظيم؛ استجابة لمطالبات شعبية وقتها، انطلقت من مناطق عدة في عموم الدولة؛ وذلك بعد مضي ثلاثة عقود من الجهاد والتضحيات والدماء الزكية، التي أسست لكيان كبير جغرافيًا وسكانيًا وسياسيًا. ففي (يوم 5 شوال من عام 1319هـ الموافق 15 يناير 1902م)؛ تمكن الشاب: (عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود)؛ من استعادة الرياض قلب نجد، وعاصمة أسلافه مؤسسي الدولة السعودية الأولى والثانية من قبله، والعودة بأسرته إليها. بعد استرداد الرياض؛ واصل هذا الشاب الطموح؛ كفاحًا مسلحًا لمدة زادت على 30 عامًا، من أجل توحيد مملكته، وتمكن من الوصول إلى أقاليم ومناطق كثيرة في الشرق والغرب والجنوب والشمال؛ كانت في تلك الفترة تخضع لعدد من حاكميات صغيرة متنافرة متناحرة، تابعة للأتراك، تحكم بأمرهم، وتنفذ سياستهم القمعية ضد العرب في جزيرة العرب، فهي تنهب وتسلب باسم وأمر السلطان التركي، غير مهتمة بأمن أو تعليم أو تعمير أو إصلاح البتة، ولهذا كان الأمن حلمًا لكل الناس، وكان هاجسًا للبطل العربي الجديد المنطلق من الرياض بجيوش جرارة، تخاطب الناس بما هم في حاجة إليه، من أمن واستقرار أولاً؛ ثم توفير حياة إنسانية كريمة، ليس فيها ذلّ، ولا إهانة، ولا خوف، ولا جوع، ولا مرض، ولا جهل.
* ثلاثون عامًا وزيادة؛ قضاها المؤسس في مواجهات حاسمة مع قوى داخلية تدافع عن مراكزها القائمة على الفوضى والتشرذم والنهب والسلب، وأخرى خارجية؛ تخشى على مصالحها في أطرف جزيرة العرب، وفي مياهها الرابطة بين الشرق والغرب. ما يجمع بين تلك القوى المحلية، وتلك الدولية، في مواجهة قوة جديدة يقودها الملك عبدالعزيز هو: (الأمن).. الأمن الذي كان مفقودًا بين الناس، بل وتسعى القوى المتشرذمة في أنحاء جزيرة العرب؛ إلى استغلال ضعف الأمن، ليبقى الناس تحت سيطرتها، وتهتم القوى الخارجية بتعزيز هذا الضعف الأمني، لتبقى هذه القوى المتشرذمة هي الأخرى في حاجة لها. جاءت القوة الثالثة بقيادة الملك عبدالعزيز آل سعود؛ لإرساء الأمن بين الناس كافة، حتى لا يبقى أحد في حاجة إلى حاكم تابع، ولا قوة خارجية تفرض إرادتها على هذا الإقليم أو ذاك في الجزيرة العربية.
* أستطيع أن أقول اليوم: إن قرار توحيد البلاد في كيان واحد: (المملكة العربية السعودية) في 1 الميزان من عام 1351هـ؛ هو منجز تاريخي عظيم؛ جاء نتيجة حتمية لمنجز أمني كبير، تحقق على يدي مؤسس المملكة وموحدها الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-. استغرق الملك عبدالعزيز -رحمه الله- مدة ثلاثين عامًا لتحقيق الأمن والاستقرار لكافة المناطق والأقاليم التي ضمها لدولته. عندما شعر الناس بأن حياتهم آمنة، استجابوا لخطط التأسيس التي بنيت على هذا المنجز في كافة الميادين. كان هناك التعليم في بداياته المتواضعة، وكانت هناك إدارات مركزية تخدم متطلبات الناس في معايشهم اليومية قبل أن تعرف البلاد الوزارات، وظهرت عبقرية الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في مشروع التوطين.. توطين البادية في هِجر..! العمل على تحضير البادية، وصهر المكونات القبلية والعشائرية في مكون وطني واحد. مهمة كانت في غاية الصعوبة وقتذاك، لكنها تمت بهمة رجل لا يعرف المستحيل. أدرك المؤسس -رحمه الله-؛ أن الانتقال من حياة التبدي والغزو والسلب والنهب؛ الذي كانت تستفيد منها الحاكميات العميلة فيما سبق؛ لا تستقيم ومشروع إنشاء دولة مدنية، لها قوتها وسمعتها وعلاقاتها الدبلوماسية مع دول عظمي تتقاطع معها في منطقة الشرق الأوسط، ولا تنسجم مع التوجه لإرساء قواعد حكم ونظم جديدة، تتمتع بالاستقرار والديمومة، فالمؤسس الذي بدأ بالتحديث منذ وقت مبكر، كان يحمل مشروعًا نهضويًا، لهذا استعان في الشأن الإداري والسياسي والاقتصادي؛ بعدد كبير من المتخصصين من مصر، وسورية، ولبنان، وليبيا، والعراق، حيث لم يجد من بين شعبه وقت التأسيس؛ من ينهض بهذا الدور الكبير.
* كان المنجز الأمني في البدء.. كان هو ركيزة للتأسيس والتوحيد، فبنيت عليه منجزات حضارية لم تعرفها الجزيرة العربية طيلة تاريخها. الصهر الاجتماعي في هُويَّة وطنية واحدة.. منجز كبير للغاية. التعليم الذي عمّ حواضر البلاد وقراها وبواديها.. منجز آخر كبير للغاية. الاقتصاد والبناء.. وخلاف ذلك مما تحقق لهذا الوطن الميمون على يدي الملك المؤسس والموحد عبدالعزيز آل سعود، وفي عهود أبنائه الملوك من بعده: (سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله) -رحمهم الله-. ثم ما نعيشه من نهضة متجددة على يدي (خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز) -نصره الله-، ووفق ولي عهده (الأمير محمد بن سلمان) -رعاه الله-. كلها منجزات حضارية نفخر بها ونحن نحتفل بيومنا الوطني المجيد. إن كل منجز حضاري عرفته بلادنا ونعيشه اليوم؛ يرتكز إلى الأمن الذي تبنته الدولة السعودية منذ البداية، وتحرص عليه اليوم بكل قوة؛ حتى شعر كل مواطن سعودي أنه جزء لا يتجزأ من أمن وطنه وبلده ومجتمعه. وحتى أصبح الكل يردد: (وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه).
* صدق رسولنا المصطفى صلوات وسلامه عليه حين قال: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا . إنه الأمن. المنجز الأمني؛ أبو المنجزات الوطنية كافة.