خالد بن حمد المالك
لم يكن ملك التأسيس المغفور له - إن شاء الله - عبدالعزيز آل سعود صاحب طموح شخصي عندما ضم كل هذه المساحات الشاسعة لبناء دولته العظمى، وإنما كان صاحب نظرة وحدوية، وعقل راجح، وقراءة صحيحة لمستقبل المنطقة؛ وهو ما دلَّ عليه خياره في ضوء ما توصل إليه بين أن يرسم لدولته جغرافية محدودة المساحة، أو أن يطلقها على كل ما هي عليه الآن. فهذا زعيم تاريخي، يتمتع بكل صفات الشجاعة والإقدام؛ فلم يتراجع عن هدف من أهدافه قبل أن يسيطر عليه، ولم يأخذ وقتًا للاستمتاع بما يسمى بـ(استراحة المحارب) إلا بعد أن أكمل مراحل التأسيس لدولته مترامية الأطراف، وأطلق عليها (المملكة العربية السعودية).
* *
هنا يأتي احتفالنا سنويًّا بما تم تحقيقه؛ لنسترجع فيه من ذواكرنا ومن التاريخ كل هذه الإنجازات العظيمة، ونتحدث في هذه المناسبة الغالية عن بطل هذه الوحدة، عن التاريخ الذي لا يُنسى، والأحداث التي قلّ أن يجود الزمان بمثلها، عن كل هذا البهاء الذي تتزين به بلادنا اليوم بفضل مرحلة التأسيس، ولاحقًا مراحل البناء، وكلها تلقي ظلالاً من اليقين بأنه لولا ما قام به الملك عبدالعزيز أولاً، ثم أبناؤه الملوك لاحقًا، لما كانت المملكة، ولما كان مواطنوها بمثل ما هم عليه من الحال في الوقت الحاضر.
* *
وحَّد الملك عبدالعزيز القلوب على من كانوا معه في رحلته لتوحيد شتات الجزيرة العربية، وجمع شمل مواطنيها، متجنبًا الحرب ما استطاع إلى ذلك إلا عند الضرورة. وبانتهاء معاركه وسيطرته على الحجاز، كآخر محطاته في حروبه مع خصومه، استهل ذلك بتعريف الدولة وشكلها وترتيباتها الإدارية؛ وهو ما قوَّى من بسط سيطرته على كل المساحات التي شكلت دولته، مجبرًا دول العالم على الاعتراف بها؛ إذ لا خيار للآخرين أمام هذه الانتصارات، وإحكام قبضة الملك عبدالعزيز عليها دون وجود أي تهديد داخلي أو خارجي، إلا الاعتراف بشرعية حكمه، والتعامل مع زعيم لم يعد هناك مَن ينازعه في الحق على أيٍّ من هذه المساحات.
* *
خاض الملك عبدالعزيز أكثر من أربعين معركة على مدى 32 عامًا، انتهت بإعلان قيام المملكة العربية السعودية عام 1351هـ، واختار الأول من الميزان الموافق 23 سبتمبر عام 1932م يومًا لإعلان قيام المملكة. وللتذكير، فقد تحقق له فتح الرياض عام 1319هـ، ودانت له العارض وشقراء وسدير والزلفي عام 1321هـ. وفي عام 1324هـ انتصر الملك عبدالعزيز على عبدالعزيز بن متعب الرشيد في معركة روضة مهنا؛ وبذلك انضمت القصيم تحت حكمه. وتم فتح الأحساء وطرد الحامية التركية عام 1331هـ؛ وبذلك وصل إلى مياه الخليج. أما في عام 1338هـ فقد تم ضم إمارة عسير، وأكمل فيما بعد ضم بقية أطرافها. وفي عام 1339هـ سيطر على حائل، ثم الجوف. وما بين عامَيْ 1343هـ و1344هـ ضمَّ مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأنهى حكم الأشراف بالحجاز؛ ومن ثم أعلن قيام المملكة العربية السعودي دولة واحدة في 21-5-1351هـ الموافق 23-9-1932م.
* *
هذا قبس من تاريخ بطولات الملك عبدالعزيز، ومن كفاحه حتى تكلل له النصر المؤزر، تركته لنا وأمامنا صفحات التاريخ؛ لنتذكره عامًا بعد عام، ونستلهم منه الدروس والعِبر في كل مناسبة تستدعينا؛ لنقول كل ما هو جميل ومنصف عن زعامة الملك عبدالعزيز، وليذكرنا ذلك أيضًا بمن سار على دربه وخطاه ونهجه من ملوك المملكة على التوالي بعد وفاته: (سعود، فيصل، خالد، فهد وعبدالله - رحمهم الله -)، ومن بعدهم الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، ومن ثم كل من حارب مع الملك عبدالعزيز، أو عمل مع هؤلاء الملوك؛ لتكون المملكة كما هي الآن دولة عظمى، مبهرة وجميلة وحضارية، وتتنفس مع الملك سلمان وولي عهده بهذه الإصلاحات والإنجازات التي أضافت إلى جمالها ما يسرُّ الناظرين.