د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
هذان فعلان ملحقان بالفعل الرباعي ومزيده، أُخذا من الاسم (تلميذ)، وهو دخيل من العبرية(1)، وذكر محمد عبد السلام هارون أن بعض اللغويين القدماء كابن دريد وابن فارس والجواليقي والخفاجي صرّحوا بأن الكلمة ليست عربية الأصل، وذكر أن أصلها سامي من العبرية أو السريانية(2).
وجمع تلميذ (تلاميذ، وتلامذة)، وجاء هذا الجمع في جملة أبيات ذكرها البغدادي(3)، منها قول لبيد:
فالماء يجلو متونهنّ كما
يجلو التلاميذ لؤلؤًا قشبا
وقول أمية بن أبي الصلت:
وبها تلاميذ على قذفاتها
حبسوا قيامًا فالفرائص ترعدُ
قال البغدادي «ورأيت في المقامة الأولى من المقامات الحريرية قوله: (فوجدته محاذيا لتلميذ، على خبز سميذ، وجدى حنيذ، وقبالتهما خابية نبيذ)(4). قال شارحه الشريشي: التلميذ متعلم الصنعة، التلميذ الخادم، والجميع التلاميذ. وأنشد بيت لبيد المتقدم، ثم قال: وطلبة العلم تلاميذ شيخهم»(5).
وذكر البغدادي أن تاء (تلميذ) أصلية، ووزنه فِعْلِيل(6)، وأن له فعلًا متصرّفًا هو تَلْمَذَه كدَحْرَجَه، بمعنى خَدَمَه، يُتَلْمِذُه كيُدَحْرِجُه تَلْمَذَةً وتِلْماذًا، كدَحْرَجَةً ودِحْراجًا، فهو مُتَلْمِذٌ كمُدَحْرِجٍ بمعنى خادم، وذاك مُتَلْمَذٌ أي جُعِلَ خادِمًا(6). فالفعل (تَلْمَذَ) له دلالتان، إحداهما الفعل خَدَمَ، والأخرى جعله خادمًا، والسياق يحدد أي الدلالتين تُراد.
ورد (تَلْمَذَ) بمعنى خَدَمَ في معجم (تاج العروس)، قال «لأَنّه تَلْمَذَ أَبَا نَصْرٍ»(7)، وقال «وَكَانَ قد تَلمذَ أَبا يُوسُفَ»(8). وأما المعنى الثاني فذكره أحمد مختار عمر، قال «تلمذ فلانًا: اتخذه تلميذًا»(9). والفعل تَلْمَذَ بمعنييه فعل متعد.
وأمّا (تلمذ له) و(تلمذ عليه) فهو فعل لازم أصله (تتلمذ)، مزيد على الرباعي بالتاء (تَفَعْلَلَ)، ولكن (تتلمذ) حذفت من تاء تجنبًا للقاء المتماثلين، وهو مطاوع الفعل (تلمذه) أي جعله تلميذًا، يقال: تلمذته فتتلمذ، أي صار تلميذًا. وجاء استعمال الفعل (تتلمذ) ومصدره في قول أبي حيان «مِنْ غَيْرِ تعلم، ولا تَتَلْمُذٍ، وَلَا مُطَالَعَةِ كِتَابٍ»(10)، وقوله «جَاءَ بِهِ مَنْ لَمْ يَقْرَأِ الْكُتُبَ، وَلَا تَتَلْمَذَ لِأَحَدٍ»(11). واستعماله في لغة المحدثين كثير، وأما (تلمذ له) بحذف التاء فاستعملت كثيرًا في كتب التراث مثل تفسير الرازي وغيره. ولعل هذا ما دعا أحمد مختار عمر يعد (تلمذ) فصيحة، و(تتلمذ) صحيحة(12)، والصواب عندي أن (تتلمذ) فصيحة فهي أصل (تلمذ).
قلت في صدر المسألة إن (تلمذ) ملحق بالرباعي، وهذا يعني أن التاء مزيدة، ويشهد لهذا أن الأصل السامي الذي تتبعه مرمرجي الدومنكي ثلاثيّ هو (ل/م/د)، ونجد أنه استعمل في التراث الفعل (تَلَمَّذ) أي صار تلميذًا، ومصدره التلمّذ، جاء في تفسير الرازي قوله «فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ يَعْنِي فَلْيَأْتِ إِنْسَانٌ يُسَاوِي مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي عَدَمِ التَّلَمُّذِ وَعَدَمِ مُطَالَعَةِ الْكُتُبِ وَعَدَمِ الِاشْتِغَالِ بِالْعُلُومِ بِسُورَةٍ تُسَاوِي هَذِهِ السُّورَةَ(13). وقال المحبي «لو أدركه السيد الشريف لما وسعه إلا التلَمُّذُ له»(14).
وهذا دليل على زيادة التاء؛ وإن أنكر ذلك البغدادي، وخرجه تخريجًا عجيبًا، قال «وقول الناس: (تلمَّذ له) و(تلمَّذ منه) بتشديد الميم، خطأ، لأنهم توهموا أن التاء زائدة، وليس كذلك، وصوابه (تلمَّظ له) و(تلمظ منه) بالظاء المشالة المعجمة. ولـمَّظه أي أطعمه وأذاقه. والتلمظ: تتبُّع اللسانِ بقية الطعامِ في الفم. وقد يكني به عن الأكل، استعير للتعليم شيئًا فشيئًا»(15).
وعلى هذا فتلميذ وزنه (تِفْعِيل) وتلْمَذَ وزنه تَفْعَلَ، وتَتَلْمَذ وزنه تَتَفْعَلَ، وتَلَمَّذَ وزنه تَفَعَّلَ.
... ... ...
(1) القس طوبيا العنيسي الحلبي اللبناني، تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية مع ذكر أصلها بحروفه، ط2، 1932م، مكتبة العرب، القاهرة، ص18.
(2)محمد عبدالسلام هارون، مقدمة رسالة التلميذ للبغدادي، نوادر المخطوطات، 1: 218-219.
(3)عبدالقادر بن عمر البغدادي، رسالة التلميذ، نوادر المخطوطات، تحقيق: محمد عبدالسلام هارون، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، ط 2، 1973 م. 1: 221-222.
(4) أبوالعباس أحمد بن مؤمن القيسي الشريشي، شرح مقامات الحريري، تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت،1992م، 1: 69-70.
(5) البغدادي، رسالة التلميذ، نوادر المخطوطات، 1: 222. والعبارات في الشرح مفرقة جمعها البغدادي في حيز واحد.
(6) الظاهر أن التاء مزيدة والوزن (تِفْعيل) وفاقًا لجذرها السامي (ل/م/د)، انظر: مرمرجي الدومنكي، أصل كلمة تلميذ، مجلة الثقافة، مصر، ع 642، 16 إبريل 1951م. ص22-24.
(6) البغدادي، رسالة التلميذ، نوادر المخطوطات، 1: 223.
(7) الزبيدي، تاج العروس، 5: 116.
(8) الزبيدي، تاج العروس، 8: 488.
(9) أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، 1: 299.
(10) أبوحيان الأندلسي، البحر المحيط في التفسير، 6: 26.
(11) أبوحيان الأندلسي، البحر المحيط في التفسير، 6: 337.
(12) أحمد مختار عمر، معجم الصواب اللغوي،1: 207.
(13) أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي، تفسير الفخر الرازي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، 1420 هـ، 17: 101.
(14) محمد أمين بن فضل الله بن محب الدين بن محمد المحبي، خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر دار صادر،بيروت، د.ت ، 4: 308.
(15) البغدادي، رسالة التلميذ، نوادر المخطوطات، 1: 223.