د.عبدالعزيز عبدالله الأسمري
يعتمد راسمو السياسات الدولية في حكومات دول العالم عند إعداد خطط وسياسات حكوماتهم الداخلية والخارجية على ما توفره لهم أجهزة المخابرات بشقيها الداخلي والخارجي من معلومات في شتى المجالات، السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها. وتعتبر الأجهزة السرية بمنزلة تلك العيون التي تسبر غور كثير من الجوانب الخفية للعيان، وذلك من خلال تزويدهم بما قد يحتاجون إليه من معلومات وتحليلات دقيقة وتقديرات وتوصيات، التي عادة ما تكون نتاج عمليات استخبارية سرية، يُحرص في حال انكشافها على أن لا يُستدل على ذوي العلاقة بها.
فضيحة عملية التجسس الأخيرة التي طالعتنا بها الصحافة الأمريكية مؤخرًا على هواتف أعضاء الإدارة الأمريكية الحالية بواشنطن، التي تمت من خلال زراعة وتشغيل أجهزة تجسس غامضة بالقرب من البيت الأبيض، وأماكن أخرى حساسة في العاصمة الأمريكية واشنطن، تشير أصابع الاتهام في تنفيذها لجهاز الموساد الإسرائيلي، رغم النفي الإسرائيلي لذلك. وتعد هذه العملية التجسسية إحدى المحاولات الجريئة لجهاز الموساد التي ربما مكنته من رصد معظم ما يجول في دوائر صنع القرار الأمريكي ونوايا قيادته.
لا شك أن إسرائيل - كأي دولة أخرى - يهمها في المقام الأول حماية أمنها القومي، تفعل كل ما تشعر بأنه يتعين عليها فعله لتحقيق هذا الهدف. ولا غرابة أن يعمد الموساد إلى عمليات هجومية، تجعل من حكومته على اطلاع دائم ومستمر على أي توجهات أو تحولات قد تطرأ على الموقف الأمريكي أو غيره وسياساته نحوها، بل هذا الأمر يجعل قادتها في وضع المطلع عن كثب؛ لكي لا يفاجأ بما قد يهدد دولة إسرائيل أو يتعارض مع أهدافها الاستراتيجية.
وعلى الرغم مما يسببه انكشاف العمليات الاستخبارية السرية من حرج سياسي لقادة الدول المنسوبة لها إلا أن خطورة تداعياتها السياسية والاستراتيجية على تلك الدول قد تكون كبيرة؛ فهي في كثير من الأحيان قد تؤدي إلى أزمات دبلوماسية، تهتز فيها العلاقات المتعددة بين الدول، وتؤدي أحيانًا إلى القطيعة في العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها، التي عادة يستغرق توطيدها ردحًا من الزمن، فضلاً عما قد تلحقه من أضرار بالعناصر السرية المنفذة للعملية وعملائهم بالوطن المستهدف، التي تصل في بعض الدول إلى أحكام الإعدام أو السجن المؤبد.
من المؤكد أن هذه العملية التجسسية لن تكون الأخيرة في سجل العمل المخابراتي الإسرائيلي بأمريكا، رغم العلاقات الاستثنائية الوثيقة، وتعهُّد قادة إسرائيل بمنع الأعمال التجسسية كافة على التراب الأمريكي، إلا أن قواعد التجسس بصفة عامة لا يحكمها ميثاق ولا عرف، وهي لا تستهدف العدو دون الصديق، ولكن حساسية وتعقيدات هذه العملية بالذات تكمن في جراءة الموساد على زرع أجهزة التنصت بالقرب من بيت العم سام دون الأخذ في الحسبان تداعيات الانكشاف.