د. عبدالحق عزوزي
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأربعاء الماضي، ترشيح المبعوث الخاص بشؤون تحرير الرهائن في وزارة الخارجية روبرت أوبراين، مستشاراً رئاسياً جديداً للأمن القومي الأميركي، خلفاً لجون بولتون الذي أُقيل من منصبه قبل أيام.
وكتب ترمب على تويتر «يسعدني إعلان ترشيح روبرت أوبراين، الذي حقق الكثير من النجاحات في منصب المبعوث الرئاسي الخاص بشؤون تحرير الرهائن في وزارة الخارجية، مستشاراً جديداً للأمن القومي». سيصبح أوبراين بذلك رابع مستشار أمن قومي في فترة ترمب الرئاسية الأولى.
السفير أوبراين هو خريج كلية الحقوق في إحدى جامعات كاليفورنيا، حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية، مع مرتبة الشرف. وهو عضو في مجلس المحيط الهادئ للسياسة الدولية.
شغل أوبراين سابقاً منصب «رئيس مشارك للشراكة بين القطاعين العام والخاص» في الخارجية الأميركية لإصلاح العدالة في أفغانستان، تحت قيادة كلّ من كونداليزا رايس وهيلاري كلينتون. وشغل منصب كبير الموظفين القانونيين في لجنة مجلس الأمن الدولي التي قررت الدعاوى المرفوعة ضد العراق بعد حرب الخليج الأولى. قبل توليه المنصب الجديد، كان يعمل مع أسر الرهائن الأميركيين ويقدم المشورة للقيادة العليا للحكومة الأميركية في قضايا الرهائن، كما يسعى إلى تطوير استراتيجية استرداد الرهائن وتنفيذها في الولايات المتحدة.
الرئيس الأمريكي قام بتعيين مفاوض يجيد عالم المفاوضات وعالم القانون الدولي في بيئة أمنية دولية أضحت معقدة، ونحن نتذكر أنه قبل أيام من إقالة بولتون ألغى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لقاء سريا كان مقررا مع حركة طالبان ومع الرئيس الأفغاني أشرف غني وفق ما أعلن في تغريدة عبر تويتر مشيرا إلى وقف المفاوضات على خلفية هجوم دامٍ وقع الخميس في كابول وتبنته الحركة، وهذا ما شكل مفاجأة خاصة وأن المحادثات كانت على وشك التوصل إلى اتفاق كان سينهي نزاعا مستمرا منذ 18 عاما. وكان هذا اللقاء غير المسبوق في إطار «دبلوماسية القمة» التي ينتهجها ترمب، سيعقد قبل أيام من الذكرى الثامنة عشر لاعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 التي أدت إلى الغزو الأمريكي لأفغانستان بهدف إسقاط نظام طالبان لاتهام الحركة بإيواء تنظيم القاعدة.
هناك أمور غير معروفة في مثل هاته الوقائع، ولا تعرف إلا بعد مرور سنوات عندما تنشر الوثائق الرسمية أو يأتي الفاعلون الكبار وينشرون مذكراتهم؛ المهم فالرئيس ترمب ارتأى أن المرحلة تحتاج إلى رجل مفاوض، وإلى رجل قانون مختص في العلوم السياسية وذي نظرة جيو- استراتيجية مخالفة للخبراء المستشارين الذين عملوا في عهد الرئيس بوش (الابن)، حيث مازالت سياسة هؤلاء الخارجية في تلك الفترة وتدخلهم العسكري دون «نظارات استراتيجية» دقيقة، تلقي بفاتورتها الثقيلة على البيت الأبيض، والسياسة الخارجية الأمريكية، وعلى مستقبل الأمن القومي، بل وعلى العالم... فحصل في تلك الفترة ارتباك في العمل الاستراتيجي، لأن أعضاء فريق الدبلوماسية والأمن القومي يعملون في مستويات مختلفة، وعندهم أدوار مختلفة في الدولة، والهياكل التنظيمية الهرمية، والجميع بحاجة إلى احترام دوره وعمله، من تخطيط واستراتيجية وسياسة، ليتم التواصل بشكل فعال، ولتبادل المعلومات فيما بينهم، ومع الشعب الأمريكي في نهاية المطاف.
ولا جرم أن هذا الخلط هو الذي أدى إلى انحراف بعض الأدوار لبعض المؤسسات الأمريكية، وبالتالي إلى ضعف في الإنتاج والمردودية...
إن السمات الأربع للبنية الاستراتيجية الحديثة: التقلب، والتوجس، والتعقيد، والغموض، تدفع الرؤساء في أمريكا إلى تبني آليات متعددة لاتخاذ القرار. ويلعب المستشارون دوراً كبيراً في هذا المجال. فإذا بقينا في مثال الولايات المتحدة الأميركية، وفي سياستها الخارجية، نتذكر البون الشاسع في التفكير بين كولن باول وزير الخارجية في عهد بوش الابن، ووزير الدفاع رامسفيلد. ونعلم هنا أن وزارة الخارجية والدفاع الأمريكيتين مرتبطتان بالقوة العسكرية، فالتفوق والقوة العسكرية، يعطيان الهبَّة اللازمة للدبلوماسية الأمريكية، لتخرج بنجاح سياسي؛ فكولن باول كان يرفض التدخل العسكري في العراق دون شرعية أممية، إلا أن الكلمة الأخيرة كانت لرامسفيلد، ولحد الساعة ما زالت تثار في كواليس الأجهزة الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية، مسألة تحديد المسؤول المخطئ في الفشل الحالي في إرساء الاستقرار في عدة مناطق كالعراق.
الرئيس الأمريكي ترامب فهم أن البيئة الأمنية الدولية أضحت أكثر تعقيداً من الفترات التي خلت. وهي في حاجة إلى منظرين ومستشارين من نوع جديد يجيدون فهم السياسة، والاستراتيجية، والتخطيط، وتنفيذها كثلاثة محددات متداخلة في السياسة الخارجية...