ميسون أبو بكر
في باريس يوقظك صوت القطارات أو أجراس الكنائس، أو خطوات الذاهبين في الصباح الباكر إلى أعمالهم بملابس أنيقة وأحذية تدق الأرصفة بوقع خطواتها. في باريس تحب أن تستيقظ مع أنفاس المدينة وتمر في شوارعها المرصفة بالمقاهي، تحتسي قهوتك في أحدها وترقب الوجوه المارة، وأولئك الذين التحفوا الأرصفة بلا مأوى. أرصفة باريس لا تشبهها أي أرصفة لمدينة أخرى، لكل شارع منها حكاية وتاريخ، وفي كل ركن يقف مجسم لفاتح ما أو جنرال أو فنان غيرت فلسفته أو فنه تاريخ المدينة المنفتحة على كل الثقافات.
بعض المدن تشيخ إلا باريس؛ تلون واجهات محلاتها أهم الأزياء العالمية، وتحرص بلديتها على ترميم مبانيها كي تحتفظ بعراقة وأصالة وتاريخ المدينة. كما ينعش السياح معالمها السياحية المختلفة التي تمتلئ بهم على مدار العام.. شتاءً وصيفًا..
إليونسكو.. بيت الثقافة والعلوم والفن.. هذه المرة كان لي معه موعد تجدد بعد سلسلة من ذكرياتي فيه، المرة الأولى في شتاء 2006م في نوفمبر تحديدًا، حيث سجلت في باحة إليونسكو عشر حلقات تلفزيونية للقناة السعودية الإخبارية، وقد كانت هناك تظاهرة ثقافية كبيرة حول الشاعرين الفرنسي ألفونس دي لامارتين والشاعر المصري أحمد شوقي، تلتها حلقات في خضم حضور جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة في إليونسكو في 2010م.
لطالما كانت إليونسكو حضنًا للكثير من الفعاليات المختلفة التي تأتي من كل بقاع العالم لتوثق حضورها فيها، وقبل يومين كنت في حضور جائزة المستثمر العربي بدعوة من أمينها العام نظيم الصبّاح ورئيس مجلس أمنائها الدكتور فاروق الباز، حيث في خضم الصراعات السياسية العالمية والخسائر الاقتصادية في قطاعات مختلفة، فقد أبى الاقتصاد إلا أن يكون بؤرة تجمع ليرمم ما أفسدته السياسة.
المفرح في الموضوع أن من المكرمين في الجائزة علمين من أعلام مملكتنا الغالية؛ معالي د. مدني علاقي وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء سابقًا وسعادة د. عبدالله الدحلان صاحب جامعة الأعمال والتكنولوجيا في جدة والذي كان نموذجًا عربيًا يحتذى به في الاستثمار في التعليم.
عدد من المستثمرين في قطاعات مهمة ومن مختلف الدول اعتلوا منصة إليونسكو لتكريمهم، وكانت لفتة جميلة من منتدى المستثمر العربي العالمي للالتفات لجهودهم في الاستثمار الإنساني والاجتماعي والتعليمي الذي كانت له ثماره في المجتمع وأثره الكبير.
وكما أكدت الدكتورة تغريد أبو سالم المنسق العام للجائزة أن آلية التحكيم كانت بناء على أسس علمية حرص عليها فريق التحكيم.
كم نحتاج لجهود مستدامة في مجال الاقتصاد الذي يصب في مصلحة المجتمعات والذي ينهض بها، ففي الكثير من النماذج التي التقيناها ما يبشر بالخير، استوقفتني المدينة المستدامة في دبي والتي تعدُّ أنموذجًا لطريقة الحياة كما مشاريع أخرى تصب في مصلحة المجتمع وتخلق وظائف مهمة لأفراده.
باريس ضمت كل ذلك العدد الكبير من الحاضرين لفعالية جائزة المستثمر العربي، وكانت ذكرياتي معها كورقة خريفية لم تمت حين سقطت من غصن شجرتها العالية، إنما بقيت مشحونة بالكهرباء، تتحرك أينما رقصت الريح، وكنت أتبع ذكريات مضت تركتها في حضن العاصمة الفتية وجئت أستردها.