منصور ماجد الذيابي
يرى محللون اقتصاديون أن تعرض معامل شركة أرامكو في بقيق وخريص لهجوم سيكون له عواقب وخيمة على سلامة إمدادات النفط السعودية التي تعد الشريان الرئيس للاقتصاد العالمي. فهذا الهجوم يشكل تهديدًا خطيرًا لمنابع النفط، وينذر بحدوث أزمة عالمية تتأثر بها جميع اقتصاديات الدول بما فيها الدول الكبرى. وحينما تصل الأمور إلى هذا الحد فإن الأزمة لن تكشف إفلاس كثير من الأفراد والشركات فحسب وإنما قد تجلب الإفلاس للدول الصناعية الكبرى وتؤدي إلى الانهيار الواسع للأنظمة السياسية والاقتصادية للدول. وأعتقد أنه في حال لم تلتزم الدول الكبرى بمسؤولياتها تجاه أمن المنشآت النفطية السعودية التي تشكل محور مصادر الطاقة العالمية، فإن النتيجة ستكون إعلانًا لنهاية الدول المستوردة للنفط من حيث إنها ستتكبد خسائر فادحة وعبئًا لا يحتمل من الديون الكبيرة.
وحينما تضرب الأزمة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا ودول أوروبا لن تكون محصنة ضد الأزمات الاقتصادية، وستعاني هذه الدول من أزمة دين عظيمة تبتلع اقتصاديات الدول الأخرى في الدوامة وتخرب النظام المالي العالمي، وحينئذ ستندلع الصراعات والجريمة وعنف العصابات.
ويعتقد خبراء النفط أن الاقتصاد العالمي سيمر بمرحلة حرجة للغاية نتيجة لتعرض أهم إمدادات الطاقة للهجوم. وبما أن حجم العرض من إمدادات النفط السعودي في أسواق النفط العالمية يصل إلى 10 في المائة أي أن عشر المعروض العالمي من الطاقة يأتي من المملكة العربية السعودية التي تنتج أكثر من عشرة ملايين برميل يوميًا لإمداد العالم بأهم مصادر الطاقة من النفط والغاز لضمان استقرار الأسواق في الاقتصاد العالمي.
وفي الوقت الذي وصل فيه سعر برميل النفط إلى 60 دولارًا للبرميل، فقد أدى هذا الهجوم وفقًا لخبراء اقتصاديين إلى خسارة الاقتصاد العالمي لما تبلغ قيمته 350 مليار دولار يوميًا نتيجة لتوقف إنتاج 50 في المائة من إجمالي إنتاج شركة أرامكو من النفط يوميًا. واليوم وخلال كتابة هذا المقال فقد قفزت أسعار النفط وفقًا لوكالة رويتر إلى أعلى مستوياتها منذ أربعة أشهر بعد أن أدى الهجوم على منشأتين نفطيتين سعوديتين إلى خفض إمدادات النفط في العالم بنسبة 5 في المائة. وكانت شركة أرامكو خفضت إنتاجها للنفط إلى 5.7 مليون برميل يوميًا، في الوقت الذي تستعد الشركة لما يتوقع أن يكون أكبر اكتتاب في تاريخ الأسواق العالمية.
ووفقًا لما أوردته الوكالة، فقد قفز خام برنت في بداية تعاملات اليوم 16 - 9 - 2019 بنسبة 19 في المائة إلى 71.95 دولار للبرميل، بينما ارتفع خام غرب تكساس بنسبة 15 في المائة إلى 63.34 دولار. وكانت أسعار النفط انخفضت بنسبة ضئيلة بعد أن وافق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على استخدام الاحتياطي الأمريكي.
وبما أن العالم على مشارف فصل الشتاء حيث يزداد الطلب العالمي على النفط والغاز، فإن أسعار النفط ستكون مرشحة للارتفاع في ظل ازدياد حاجة دول العالم للمشتقات النفطية المستخدمة للتدفئة في فصل الشتاء. كما يتوقع أن ترتفع الأسعار في ظل تعرض منشأتي بقيق وخريص إلى هجوم أدى إلى حدوث احتقان شديد في حركة تدفق النفط عبر الأنابيب التي تنقل الذهب الأسود من قلب العالم الإسلامي إلى جميع أنحاء العالم. هذا الاحتقان أو التوقف في الإنتاج يشبه إلى حد كبير حدوث انسداد في الأوعية والشرايين التي تنقل الدم المحمل بالأكسجين والغذاء من القلب الذي يضخ الدم إلى جميع أجزاء الجسد.
نتساءل الآن عن سبب وقوف المجتمع الدولي مكتوف الأيدي إزاء ما يجري لمنابع النفط، كما نتساءل عن سبب استهداف قلب العالم الإسلامي بهذا الهجوم الإرهابي وبهذه الطريقة الجبانة والغادرة. فإعلان حركة التمرد الحوثية في اليمن عن مسؤوليتها للتضليل عن هذا الهجوم لا يمكن أن يصرف الأنظار عن نظام طهران الذي يخطط ويدعم ويمول ويزود الميليشيات الحوثية وغيرها من الميليشيات والأحزاب بهذه الضربات.
وانطلاقًا من هذه المعطيات الاقتصادية سأحاول إلقاء الضوء على دوافع هذا الهجوم من الناحية السياسية والجيوسياسية. فقد يتبادر إلى الذهن أولاً استحالة أن تقطع هذه الطائرات المسيرة إذا صح أنها قد استخدمت في هذا العمل الجبان مسافة تصل لأكثر من 1000كم إذا ما افترضنا أنها انطلقت من اليمن جنوبي السعودية. ولذلك يكون السيناريو المحتمل الآخر هو انطلاقها من إيران أو العراق كونهما أقرب جغرافيا لنقطة حدوث الانفجار في بقيق. وبما أن العالم يدرك أن إيران هي تلك الدولة المارقة التي تغذي الميليشيات الحوثية المتمردة لتبقى على قيد التمرد من أجل زعزعة أمن واستقرار المنطقة العربية وتحديدًا منطقة الخليج العربي، فإن أصابع الاتهام تشير إلى نظام طهران تحديدًا. يبدو ذلك واضحًا من خلال التحرش الإيراني بناقلات النفط عند مرورها بمضيق هرمز كما ذكرت سابقًا في مقال بعنوان «التحرش الإيراني بناقلات النفط»، وهو ذلك المضيق الذي ما زالت إيران تهدد بغلقه أمام السفن التجارية إذا ما استمرت العقوبات الأمريكية عليها أو منعت من تصدير الأسلحة من خلاله كما حدث للسفينة الإيرانية غريس 1 التي احتجزت قبل نحو شهر تقريبًا في مضيق جبل طارق بسبب ما كشفت عنه مصادر إعلامية بأنها تحمل أسلحة تعتزم إيصالها لميليشيات حزب الله في سوريا.
وبما أن إيران ترزح حاليًا تحت ضغط العقوبات الأمريكية لحثها على التفاوض مع الجانب الأمريكي بشأن برنامجها النووي وتهديد أمن الملاحة البحرية والتوقف عن تزويد الأحزاب والميليشيات الإرهابية بالسلاح مما يزعزع أمن المنطقة العربية ويهدد مصادر الطاقة العالمية، لذلك فإن إيران تحاول بالتحالف مع روسيا وبالتحالف حتى مع الشيطان الرجيم لكي تهدد وتعبث بمصالح دول العالم كوسيلة للضغط على أمريكا لأجل رفع أو تخفيف العقوبات الاقتصادية.
نعلم جميعًا أن المصالح الاقتصادية للدول هي القاعدة التي ينبثق منها ويستند عليها أي قرار سياسي. ومن هنا فإن الدول المستوردة للنفط تدرك أهمية المملكة العربية السعودية التي تعد من الناحية الاقتصادية مضخة النفط الرئيسة لجميع اقتصاديات تلك الدول، الأمر الذي نتوقع أن يجعل هذه الدول المستهلكة للنفط السعودي تتجه إلى خيار التحالف عسكريًا واقتصاديًا لضمان سلامة مصادر الطاقة من أي اعتداء قد يشل الاقتصاد وينبئ آنذاك بحدوث أزمة عالمية تعود بالعالم إلى عصور ما قبل اكتشاف النفط.