زكية إبراهيم الحجي
لا تقدم وارتقاء ونجاح لأيّ مجتمع من المجتمعات إلا من خلال سياسة ثقافية متنوعة ومتعددة تطال كل نواحي الحياة.. من اجتماعية وسياسية.. إعلامية وبيئية.. اقتصادية وتربوية.. ولعل أجمل ما يميز الثقافة أنها لا تخضع لعملية حسابية تعتمد على ربح أو خسارة وما انفتاح ثقافات الشعوب على بعضها البعض سوى دليل على مدى اهتمام وحرص المجتمعات على الدور الذي يلعبه التمازج والتفاعل بين مختلف الثقافات في بناء وتنمية المجتمع والنهوض به.. علماً بأن التمازج الثقافي لا يُلغي قيمة وأهمية الجذور الثقافية لكل مجتمع كما لا يمكن أن يلهي التلاقح الثقافي عن الأصول والمبادئ الخاصة بكل مجتمع.. ورغم تعدد مكونات الثقافة فمن العسير أن نحدد أو نصف الإنسان أو حتى نحكم عليه بأنه شخص مثقف إذا ما أُخِذ في الاعتبار مكون التعليم والمعرفة.
لا شك أن الثقافة هي أحد أركان بناء وتنمية المجتمعات إذ تشكل الركن المعنوي فيها لتشمل كافة الجوانب غير المادية والمتمثلة في القيم والأفكار والتقاليد والموروثات والأذواق وغيرها من الجوانب المختلفة التي يختص بها مجتمع معين عن غيره من المجتمعات لذلك فإن أي محاولة للفصل بين الثقافة وبناء وتنمية المجتمعات هي محاولة فاشلة.
ولعل أفضل تأكيد على مدى احتياج المجتمعات إلى الثقافة وهي في طور البناء والتنمية.. هو تعدد التعريفات لمفهومي الثقافة والبناء والتنمية وسأكتفي في هذه المساحة بتعريف يبدو أنه أفضل تعريف أُعطي للثقافة وهو التعريف الذي جاء أثناء انعقاد مؤتمر اليونسكو للثقافة عام 1982 وهو (الثقافة هي التي تمنح الإنسان قدرته على التفكير في ذاته ما يجعل منه كائناً يتميز بالإنسانية المتمثلة في القدرة على النقد البناء المعتمد على المعرفة والإدراك والمقرون بالالتزام الأخلاقي.. ومن خلال الثقافة نهتدي إلى القيم ونمارس الاختيار وهي وسيلة الإنسان للتعبير والبحث عن مدلولات جديدة).
وفي ذات الإطار كان للتنمية عدة تعريفات أبرزها ما خرج به المؤتمر العالمي للتنمية المنعقد في جنيف عام 1992 ويشير إلى أن التنمية تعني في آنٍ واحد التطور والتغير في حالة قائمة.. الاغتناء والانفتاح وأن التنمية لا تقاس فقط بزيادة الإنتاج كماً ونوعاً بل بالتحسُّن الذي يطال جميع نواحي حياة المجتمع.. وأعطى المؤتمر تحديداً للتنمية الثقافية فأشار بأنها اغتناء بالثقافة وتقوية لصور التغيير الثقافي وتوفير الفرص المناسبة للإنتاج والإبداع.
الثقافة جزء لا يتجزأ من الحضارة ما دامت تهتم بما ليس مادياً أو تقنياً كالآداب والفنون والتراث والعادات والتقاليد والأعراف وغير ذلك وفي ذات الوقت للثقافة علاقة تفاعلية مع التنمية والبناء المجتمعي.. فالثقافة اليوم جزء أساسي من التنمية الشاملة إذ لا يمكن لأي تخطيط مستقبلي في مجال التنمية أن ينجح في ظل غياب المقاربة الثقافية والتي أصبحت اليوم تسهم بشكل كبير وفعّال للرفع من مستوى الأفراد سياسياً واقتصادياً.. اجتماعياً وعلمياً وتربوياً.