أ.د.عثمان بن صالح العامر
من أبرز الملامح في شخصية الشيخ علي بن محمد الجميعة -رحمه الله- حبه الكبير للوطن، وتقديمه نفسه صورة ناصعة للمواطنة الصالحة الفاعلة المنجزة، وولاؤه المطلق لقيادتنا المباركة وولاة أمرنا - أدامهم الله -، وتربيته أولاده وأحفاده على هذا النهج الميمون، وغرس حب الوطن وقادته في نفوسهم، ويكفي شاهداً له على ذلك، ما قاله عنه صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل -رعاه الله- في كتابه (مسافة التنمية وشاهد عيان) (... وهناك من المواطنين أفراد تطوعوا للوقوف بكل إخلاص وراء المشروع بغير مصلحة لهم، وأذكر في هذا المجال الدور الكبير الذي قام به الأستاذ: علي بن محمد الجميعة... والرجل مثالاً للمواطن والمواطنة...).
لقد أرثَ - رحمه الله- أفعالاً عدة وفِي عدد من مناطق المملكة العربية السعودية - مدنها ومحافظاتها وقراها، بل وحتى هجرها المنزوية المتوارية عن الأنظار - تبرهن هذا الأعمال الخيرية -التي قد لا يعلم عنها إلا الله- على عمق انتمائه الوطني، وشدة اعتزازه الحقيقي بتقديم ما في الوسع من أجل الوطن وفي سبيله، وسعيه الحثيث لنيل الأجر من الله، ووقوفه الشخصي بنفسه وماله وجاهه مع ذي العوز والحاجة وأصحاب الظروف.
ومما ترك بعده من التراث العلمي المخطوط كتابه الموسوم: (المملكة العربية السعودية - حضارة حقائق وأرقام على مدى اثنين وثمانين عاماً -) والذي شخص فيه حال هذه البلاد قبل تحقق ملحمة التوحيد التي أجراها الله عزَّ وجلَّ على يد المؤسس الباني جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -رحمه الله- ثم ساق بالتفصيل النعم التي ترفل بها اليوم (أمة الملك الصالح)، والذي عُرف عنه وعن من خَلَفَه من أبنائه في حكم هذه البلاد المباركة من حرص شديد على تصحيح للعقيدة، وتأليف للقلوب، وتطوير للبلاد، وحماية للمقدسات، وتعزيز لوجود المملكة العربية السعودية على الخارطة العالمية، واهتمام بأمن وسلامة وسعادة ورفاهية المواطن والمقيم.
وضمن كتابه هذا وصيته للأبناء والأحفاد من بعده، والتي نص فيها على وجوب قيام الورثة من بعده بأفعال خيرية محدَّدة من بناء للمساجد، وتوزيع للتمور، وذبح للأضاحي كل عام، ويكون أجر هذه الأعمال جميعاً لجلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود والثمانية والستين رجلاً الذين كانوا معه في تسطير ملحمة التوحيد سطراً سطراً، وذكرهم بالاسم واحداً تلو الآخر في ثنايا هذا الكتاب القيِّم.
إن وطنية المواطن أبي فهد -رحمه الله- لم تنته برحيله من هذه الدنيا، بل لا يزال محتفظاً بالفضل والامتنان -بعد فضل الله عزَّ وجلَّ ومنّه وكرمه- لجلالة الملك المؤسس الباني للمملكة العربية السعودية عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ولمن معه على هذه البلاد وأهلها وساكنيها وقاطنيها وزائرها، ولذا جعل ذكراهم -رحمهم الله جميعاً- يتجدّد كل عام، في مثل هذه الأيام حين جذ النخيل، وعند ذبح الأضاحي، وحين تُقام الصلاة في المدينة والرياض، وما زال أبناؤه البررة وليد وزياد ومحمد - وفقهم الله- محافظين على تنفيذ وصيته هذه، فجزاهم الله كل خير، والشكر كل الشكر لهم جميعاً على جهودهم الوطنية مع والدهم حين حياته، وحرصهم على الوفاء لفقيدهم وتنفيذ وصيته لهم بعد رحيله، والشكر موصول في هذا المقام لكل وطني مخلص عرف حق الوطن عليه، وجعل نفسه أنموذجاً حقيقياً للمواطن الصالح، وربى أولاده وأحفاده وذريته على الولاء لقيادتنا وولاة أمرنا، وعزَّز شعور المواطنة المنجزة الفاعلة لديهم، وإلى لقاء في مناسبة عزيزة على قلوبنا جميعاً، يومنا الوطني 89 الذي يأتي هذا العام تحت شعار (همة حتى القمة)، ودمت عزيزاً يا وطني، والسلام.