خالد الربيعان
أكثر من نصف العالم يعيشون أسرى في العالم الافتراضي؛ العالم أصبح رقميًّا. كان متوسط الوقت للشخص على هاتفه 90 دقيقة في 2012، وأصبح يدور هذه الأيام في فلك الساعتين ونصف الساعة يوميًّا. شعب الفلبين يتصدر القائمة، والأخيرة: اليابان التي يقضي شعبها على الهواتف في المتوسط 45 دقيقة فقط. ربما يرجع هذا لأصول جينية، ورثوها من حضارة الساموراي التي تقدس العمل والجدية.
المعلومة الأخرى أن أكثر هذا الوقت الذي ذكرناه يضيع أغلبه في التواصل الاجتماعي الذي أصبح «إدمانًا حقيقيًّا»، كما توجد دراسات عنه، وطرق لعلاجه والاستشفاء منه عبر محاربة ما أسموه بالـOverUse أو فرط الاستخدام. أكثر من مليار ونصف المليار هاتف ذكي تم بيعه عالميًّا العام الماضي فقط!
يغرد دونالد ترامب الرئيس الأمريكي بما يود أن يقوله للصحف والقنوات من هاتفه. تصل تغريدته لكل الدول ورؤسائها، ويتم ترجمتها وتحليلها وتأويلها ومعرفة مقاصدها. وربما يفكر رئيس دولة في محتوى «تغريدة ترامب» أو غيره ساعات طويلة من يومه، ويستشير فيها من يرى فيه صلاح المشورة!
أنت تعلم جيدًا أنها ليست مبالغة، بل يحدث فعلاً، وهو واقع. ومع ذلك فلاعبو كرة القدم هم نجوم التواصل، والأشهر فيه؛ فأرقام المتابعين لرونالدو في المنصات الثلاث الأهم «فيسبوك» و«تويتر» و«انستجرام» نحو 350 مليونًا، وفي زيادة «لحظية»، يتفوق بها على ترامب الذي جاء في المركز الخامس بعد الإنجليزي بيكهام، والبرازيلي نيمار!
ما يُنشر على حسابات هؤلاء اللاعبين يتم مناقشته «مطولاً» ويُحسب لأمور وزوايا عدة. كل تغريدة أو صورة إعلانية لرونالدو على منصة مثل «انستجرام» يتم التسويق بها لسلعة أو لراعٍ: لها ثمن، هو الأعلى عالميًّا (975 ألف دولار). نيمار ثانيًا بـ 722 ألفًا، ثم ميسي، ثم المعتزل بيكهام، والمعتزل أيضًا رونالدينهو!
حقيقة لم تكن موجودة أيام بيليه وكرويف، أن لاعبي كرة القدم هذه الأيام أداة تسويقية، واجهة إعلانية رقمية، بلغة السوق «لافتة مضيئة»، يراها عدد هائل من الناس الذين هم في عرف الرياضة الآن «مستهلكون محتملون». كل هذا يتم بأدوات حديثة، لم تكن موجودة من قبل، هي «الهاتف الذكي» الذي يزداد ذكاءً باتصاله بالإنترنت.
يتفوق رونالدو بعدد متابعيه على جميع نجوم السينما والفنانين، وحفلات الجوائز الكروية تبدو كحفلات الأوسكار التي تعج بنجوم السينما، بل قدم أحدهم (إدريس ألبا) حفل جوائز الاتحاد الدولي لكرة القدم! فيفا، رأس إمبراطورية اقتصاد كرة القدم، التي حققت من بند «الميديا»: (البث المباشر ومقاطع الفيديو وحقوق الصور) رقمًا قياسيًّا بالمونديال الروسي الأخير؛ فقد كان الدخل 1.2 مليار دولار في مونديال 2002؛ لتصبح 3 مليارات في 2018.
والمعنى أن اللاعب نفسه في هذا العصر مطالَب بأن يتطور، وأن «يزداد ذكاؤه ليكون على مستوى ذكاء هاتفه نفسه» إن لم يكن أكثر ذكاءً؛ لأن «التسويق الرياضي والتجاري لنفسه لا بد أن يكون عبر أهم أداة سائدة في عصره». استطلاع هلال العرب في السنوات المقبلة أسفر عن نتيجة، هي «ربما»؛ فلا وجوه تسويقية أو محترفة بشكل «عالمي» سوى «صلاح» و«محرز»، ومع ذلك فهما على الجانب التسويقي والرقمي: تحت المتوسط؛ فالأول كان شبه حاضر في روسيا لإصابة الكتف الشهيرة، ثم الأزمة مع راعيه، وعدم تفعيل علامته التجارية بشكل جيد، وثانيهما (محرز) باستثناء صفقة انتقاله للسيتي (67 مليون يورو) فإنه «خامل الذكر» في العالم الرقمي. ومثله كثير من اللاعبين!
ترجمة «قوقل»!
تتفق معي أو لا حول أن اللاعب الوحيد في دورينا الناجح في هذه الزاوية هو جوميز؛ تتصفح حسابه بتويتر - وهو «مليوني» - وترى هذا واضحًا، بداية من صورة حسابه التي هي عبارة عن وجه أسد (لقبه واحتفاله الشهير)، يرتدي شماغًا وعقالاً سعوديًّا، وانتهاء بمحاولات الكتابة بالعربية ليقول «أتمنى لكم يومًا طيبًا يا أصدقائي»؛ ليراوغه المشجعون بردود مضحكة كـ«صح لسانك» و«القرامر حقك»!