شريفة الشملان
تخيط تلك السيدة بيوزا جميلة تسلّمها لجارتها التي تعرف الطريق لتصريفها والعودة بثمنها لسيدتنا، تشعر تلك السيدة بالفرحة الجميلة هو إنجازها الصغير الذي يكبر ويكبر.
يكبر الصغار وتستمر في صناعة البيوز، ويعمل شبابها ولا تتخلى عن ذلك، بل وتبدع فيها وتتفاخر السيدات باستعمال بيوز أم عامر وهي تزيِّن أيادي أباريق الشاي ودلال القهوة العربية.
عمل بسيط ولكنه يكسب أم عامر فرحة كبرى نسميها فرحة العمل وفرحة أخرى بالتميز.
مثل أم عامر، تلك الفتاة التي لم تجد عملاً فخلقت لها أعمالاً، كنت في مقهى لطيف وبسيط لمهندسة سعودية تخرّجت من جامعة الملك فيصل بالدمام تغيّر اسمها إلى (الإمام عبد الرحمن بن فيصل). هذه الشابة لم تبحث عن عمل لكنها أنجزت مقهاها ترجمت دراستها للهندسة الداخلية فأبدعت، كان إنجازها مفخرة كثيرة هي الأمور التي نقيسها على الإنجاز ومن ثم فرحته.
المهندس الكبير الذي يستطيع تصميم وتطوير أفكار هندسية في غاية الروعة وينظر لشموخ المبنى أو لروعة الجسر ولكفاءة المدرسة التي صممها، فرحة الإنجاز هي فرحة داخلية تكبر وتتطور مع الفرد ويبثها جمالاً وأفكاراً للمجتمع.
المحاضرة والمبدعة والمدربة والكثير من الأعمال الجميلة التي ترسم الفرحة الجميلة، ليست متعة التحصيل المادي فقط لكنها متعة أخرى أجمل بكثير.
وهذه الفرحة يتشارك بها نماذج من كبر شأنه وتعليمه ومن توسط أو صغر.
أم عبد الله التي كانت ترى الكتابة شخابيط تحاول فك رموزها، كيف يمكن أن تكون كلاماً يقرأ؟ لكنها صممت أن تقرأ وتكتب وتواصل معه حفظ القرآن الكريم، تسلّمت الشهادة الابتدائية فرحتها غمرت كل البيت، تعادل فرحة من انتهى للتو من مناقشة رسالة الدكتوراه وفاز فيها. واصلت ونجحت ومن ثم كبر الأمر فصارت تجعل من الكلمات عبارات وقصصاً وأكثر ودلت أبواب النشر ونشرت، إنه الإنجاز.
أبسط الأمور تفرحنا عندما نرى الإنجاز بين يدينا والحلم تبلور لواقع، قد يدر رزقاً قليلاً لكنه يبهجنا.
عندما تضع السيدة بذور بعض الخضراوات وترقبها كبرت زهرت وأنتجت بامية أو كوسة، خالية من الكيمياوي ولم يرش عليها مبيد، هذه أيام (سبتمبر) تفتح الزهور كم يبدو جميلاً أن تنتشر رائحة عطرة في منازلنا لأننا استطعنا ولو على حيز صغير زراعة بعض منها.
نظرة الفرحة ونحن نقلب الشيء المادي الذي أنجزناه، قد يكون بسيطاً؛ قطعة قماش صارت تحفة لغطاء طاولة الأكل، إعداد ركن صغير للقهوة والشاي بتزيين جميل، طلي أكواب بألوان مبهجة، رسم طيور وزهور على آنية الزهور. هنا تذكرت رسمة جميلة للفنانة الراحلة منيرة الموصلي أهدتها للقاص الراحل أيضاً عبد العزيز المشري - رحمهما الله جميعاً- أسمتها (آنية لزهورك). وكان قد كتب قصته (زهور تبحث عن آنية).
هي الأشياء الصغيرة الجميلة التي تفرحنا وتبهج النفس. خلق الله الإنسان مكتمل الجسم وأعطاه عقلاً وذوقاً مختلفاً من هذا يبدأ الجمال.
لذا فعندما ندخل بيتاً صُمم لراحة أهل البيت وضيوفهم بسيطاً غير نمطي، توزيع الإضاءة ومصادر الضوء العناية ليس في الفخامة ولكن في البساطة مع راحة النظر.
غالباً ما ندخل بيوتاً متشابهة مدخل وعلى اليمين المجلس على اليسار غرفة الطعام، وباب يقود للصالة، مكررة، التميز هو في التغيير وفي كسر النمطية ووضع شيء من ذواتنا فيما نسكن ونلبس ونبدع فيكون نوعاً من الإنجاز المريح للنفس..
وها أنا ذا اليوم أغيّر من نمطية المقالات لعلها تكون جميلة وأنيقة وبسيطة كـ(بيوز) أم عامر..
ويوم وطني جميل هادئ أخضر في القلب وفي الشجر، آمن سعيد. يوم وطني بكثير من الإنجازات وأهمها مدارس تليق بأطفالنا عقول المستقبل بإنجاز مستمر.
- (مفردة بيز، والبيز ما يحمل به الشيء الساخن جداً، مفردة نجدية صميمة)