د. حمزة السالم
سبق أن عرفنا أن للعملة قيمتَيْن، قيمة محلية، وقيمة دولية. وعبارة تقييم العملة بأقل أو أكثر من قيمتها إنما المقصود بها: قيمتها أمام العملات الأخرى.
فما هي قيمة الريال؟ الجواب الصحيح أنه لا يمكن لأحد أن يثبت أن الريال مقيّم بأقل من قيمته أو بأكثر من قيمته؛ فالريال لا تنطبق عليه أي من النظريات المتعلقة بهذا الموضوع؛ وذلك بسبب اعتماد المجتمع كليًّا على البترول بطريق مباشر أو غير مباشر. فالمجتمع الاقتصادي لا ينتج سلعًا متنوعة تستجلب الطلب عليها؛ فهو ليس كاليوان الصيني الذي يصح أن يقال إنه مقوّم بأقل من قيمته أمام الدولار. وبيان هذا:
بداية، بما أن الريال لا يقابله سلع محلية فسنسلك طريقين في محاولة تقييم قيمة الريال؛ ليتبيَّن لنا أنه من الصعب الجزم بالقول. الطريق الأولى: مقابلته بقيمته الشرائية الدولارية. والطريق الثانية: مقابلته بقيمته النفطية.
أما الطريقة الأولى فباعتبار أن الدولار هو الذي يمثل قيمة الريال: فقيمة الريال نظريًّا إنما جاءت ابتداء (في تلك الحقبة، أواسط الثمانينات) من مقدرته الشرائية محليًّا، ومقارنتها بسوق الدولار، أي السوق الأمريكية. فقد كانت 3750 ريالاً مثلاً تكفي مصروف عائلة على احتياجاتها المعيشية، من مأكل ومشرب ومسكن. وفي المقابل، لو أن العائلة ذهبت لأمريكا لاشترت نفس سلة المشتريات بـ1000 دولار؛ فهذا يعني أن الدولار يعادل 3.75 ريال في القوة الشرائية.
وهذا يقودنا إلى أن قوة الريال وضعفه تأتيان من مقدرته الشرائية داخل السعودية، لا من سعر صرفه أمام العملات الأخرى؛ لأنه ليس له استقلالية في السوق الدولية؛ فهو تابع للدولار. فبحث المسألة يقع على الدولار، ويكتسبه الريال تبعًا. فلو أصبحت العائلة السعودية تشتري السلة نفسها بـ300 ريال، بينما تشتريها في أمريكا بـ100 دولار، فهنا يقال: إن الريال بسلوك هذا الطريق مقيم بقيمة أقل من قيمته الحقيقية. والقيمة العادلة له هو ثلاثة ريالات لكل دولار.
فلو اعتمدنا هذه الطريقة في الحساب سنجد أن الريال مقوَّم أعلى من قيمته الحقيقية منذ عام 1988م إلى اليوم، وأن قيمته المفترضة نحو 4.43 ريال، باعتماد مؤشر أسعار المستهلك في كلا البلدين حتى عام 2017م.
أما الطريق الثانية فباعتبار أن البترول هو الذي يمثل قيمة الريال، لا الدولار؛ فعلينا أن نتصور مثلاً وظيفة كان راتبها 7500 ريال (أي ألفَيْ دولار) عام 1987م (عام الربط)، ثم نقارن قيمته بعام 1998م، وفي عام 2008. عندها سيتبيَّن لنا أن الريال كان مقيَّمًا بأعلى من قيمته كثيرًا عام 1998م. وفي عام 2008 كان مقيمًا بأقل من قيمته كثيرًا.
إذًا، فلا توجد طريقة تثبت صحة ادعاء أن الريال مقيَّم بأكثر من قيمته أو أقل.
ولعلنا نستغل ما سبق لنعيد فنذكر بأن الاقتصاد القائم على ثروة خارجة عن نشاط مجتمعه الاقتصادي هو اقتصاد لا يتبع أيًّا من النظريات الاقتصادية الحديثة.