د. محمد عبدالله العوين
تكاثرت الأقاويل والتحليلات في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي التي تناولت الهجوم الإرهابي القميء على معامل تكرير البترول في بقيق وهجرة خريص؛ فمن مصدق أن طائرات الدرون انطلقت من اليمن من مسافة تزيد على ألف كيلومتر، حيث تبنت العصابة الحوثية هذا الفعل الآثم وهددت بضربات أخرى (أكثر إيلاماً) كما ادعت.
وقد استبعد محلِّلون ما أعلنه الحوثي؛ لبعد المسافة، ولوجود آثار لصاروخ كروز إيراني معدل مع طائرات الدرون، مما يعني أن الإطلاق تم من مواقع قريبة. ذاهبين إلى أن غاية الحوثي تحقيق نصر معنوي والتمويه على مصدر الإطلاق الحقيقي.
بينما ذهب آخرون إلى أن مصدر إطلاق الطائرات المسيَّرة وصاروخ كروز من جنوب العراق، وبالتحديد من منطقة السماوة، حيث تحتشد قوات كبيرة من فصائل (الحشد الشعبي) في جرف الصخر التي أصبحت مخزناً كبيراً لأسلحة الحشد المتنوِّعة ومنها الصواريخ القريبة والبعيدة المدى والطائرات المسيَّرة والدبابات وغيرها، وهذه المنطقة خارجة عن سلطة الحكومة العراقية وتعلن أن مرجعيتها الأولى والأخيرة طهران.
ولوّحت تحليلات أخرى إلى أن مصدر الإطلاق إيران نفسها.
وإذا استبعدنا قيام النظام الصفوي في طهران مباشرة بهذا الإجرام لأنه لا يريد أن يُدان أو أن يكون مسوغاً لشن حرب عليه من الأطراف المتضررة إقليمياً ودولياً؛ فإن الاحتمال الأكبر إسناد المهمات القذرة إلى أذرعه الإرهابية المنتشرة في المنطقة؛ كحزب الله في لبنان، والحوثي في اليمن، والحشد في العراق.
ويرجح كثيرون أن انطلاق الطائرات العشر والصاروخ تم من جنوب العراق معتمدين على تصوير أحد الصيادين الطائرات بكاميرا فيديو وهي تعبر سماء الكويت متجهة إلى المنطقة الشرقية من المملكة.
ويدعم هذا الاتجاه الذي يميل إلى انطلاق الطائرات من العراق تصريحات عدة من خبراء عسكريين ومتابعين إعلاميين من العراق وغيرها مدعومة بأقوال وتهديدات إيرانية نطق بها مسؤولون إيرانيون في بداية تطبيق حصار النفط الإيراني بأن إيران إذا منعت من تصدير نفطها فستحرم الآخرين من تصدير نفطهم.
وتكرار الحشد الشعبي الإرهابي بتوجيه ضربات إلى السعودية واقتحام الحدود وإصراره على إنشاء معسكرات له قريبة من أراضي المملكة.
وأمام هذه الآراء المتعددة التي تختلف في تحديد مكان الإطلاق ولكنها متفقة في نسبة العمل الإرهابي تخطيطاً وتوجيهاً ودعماً ورغبةً وهدفاً إستراتيجياً إلى إيران ماذا يحسن بالدولة التي طال منشآتها البترولية هذا الضرر ومعها الدول العالمية الكبرى المستهلكة للبترول التي صدمها الارتفاع الحاد في أسعار البترول بعد الهجوم الغادر مباشرة، حيث قفز بنسبة 18 % ويتوقّع أن يواصل ارتفاعه مع تطور الأحداث.
المرجح أنه إذا ثبت بالأدلة اليقينية المؤكدة مكان انطلاق الطائرات المسيَّرة وصاروخ كروز سيتم تدمير المنشآت العسكرية وتطهير مكان الإطلاق، وقد يمتد إلى شن ضربات عسكرية مباشرة إلى إيران تقوم بها أمريكا ومعها حلفاؤها.
وتعالج المملكة هذا التصعيد الإرهابي بتعقل واتزان، مبتعدة عن الاندفاع خلف دواعي الانتقام السريع أو فتح جبهة جديدة، وتاركة الحل العسكري مع الحلفاء آخر الخيارات الممكنة.