فهد بن جليد
عاطفة (الكاشير) السعودي وتسامحه في عدم تحصيل فروقات (الهلل) البسيطة لا يمكن أن تكون عيوباً في القطاع الخاص، ظهور الشاب والشابة السعوديين بطبيعتهما المجتمعية أثناء تأديتهما للمهام الوظيفية أمر في غاية الأهمية -برأيي- وله فوائد كبيرة جداً قد لا يلمسها التاجر بداية الأمر ولكنَّها مكاسب يجنيها من جوانب أخرى لو أعاد قراءة المشهد بشكل صحيح، فكلما أظهرنا (طبيعتنا المجتمعية) كنَّا أفضل وأكثر قبولاً وتأثيراً. وجدتُ شخصياً تذمُّراً عند بعض أصحاب المحلات التجارية من عدم مُبالاة (البائع السعودي) وعدم إصراره في تحصيل الفروقات المالية البسيطة والصغيرة أو (الفكَّة) الهلل من بعض الزبائن عند الدفع النقدي تحديداً، لتتراكم آخر اليوم أو الأسبوع وتتسبب في حدوث (عجز مالي) نتيجة ما يمكن تسميته مجازاً (بتعاطف وتسامح البائع السعودي) غالباً، ما شكَّل مرحلة إحراج جديدة بين التاجر والبائع.
في كل مرَّة أدخل فيها في جدال مع تاجر حول هذه الظاهرة السلوكية التي تأتي امتداداً من طبيعة الشخصية السعودية وكرمها وتسامحها، رغم اتفاقي أنَّها لا تصلح في التجارة (بظاهرها) وعمومها، إلاَّ أنَّها في مكانها الطبيعي عند موظفي الصفوف الأمامية من هذا النوع كونَّها تحدث فارقاً آخر في صالح المتجر، صحيح أنَّ هذه الفروقات حق من حقوق التاجر، التي تشكِّل الربح والمكسب من بعض المنتجات، ولكن من وجهة نظري هذه الأريحية في التعامل والتسامح محمودة وتساهم في الترويج للمنشأة التجارية، وتزايد من ثقة الزبائن في المتجر، وحرصهم على التسوّق منه في كل مرَّة وهي لا تشكِّل (فارقاً مالياً) يوازي المكاسب التي يتم تحقيقيها، والشواهد في ذلك كثيرة بين المتاجر التي تُدقِّق في تحصيل (الهلل) بشكل مُزعج قد يسبب زحاماً أو تعطيلاً، أو يحدث تذمُّراً عند بعض الزبائن عند صرف عملة ورقية (كبيرة) لتحصيل فروقات (هلل) بسيطة.
لا أدعو إطلاقاً للتفريط في تحصيل الفروقات التي هي من حق التاجر، والموظف بكل تأكيد مؤتمن عليها في نهاية المطاف، ولكن يمكن للتجار أنفسهم الاستفادة من هذه الطبيعية المجتمعية لخلق نوع من التسويق والترويج لمحلاتهم وبضائعهم، بمنح مساحة أوسع وأرحب للموظف السعودي في عدم تحصيل الهلل البسيط والتسامح فيه، لأنَّه (تصرُّف ذكي) سيجعل المشتري يعود (مرات ومرات) ليتبضَّع من هنا مقابل الحصول على فروقات بسيطة لا تكاد تُذكر، فالكرم وطيبة النفس لا ثمن لها، قارن بين أن تكسب (هللاً) أو (زبونناً) يدفع أكثر من ذلك في المرة المُقبلة، بعكس الإصرار ولو كان على (حق) بالحصول على الفارق مهما كان صغيراً.
وعلى دروب الخير نلتقي.