سمر المقرن
العنف ليس صفة وليدة اللحظة، إنما هو إرث بدأ عندما طوّعت لقابيل نفسه قتل أخيه هابيل فأصبح من النادمين، لتظهر لنا سوءات التنمر بأنواعه الجسدي بالضرب والتسلط، والنفسي، واللفظي بالتهديد والتخويف والتحرش، والحسي كالتهديد باستخدام الصور والرسائل الإباحية عبر منصات التواصل الاجتماعي. لنقرأ وللأسف بين الحين والآخر حوادث تنمر وصلت حد إزهاق النفس. وما كادت نيران حادثة قتل طالب 14 عاما لزميله بالمدرسة منذ سنوات تخمد قليلا، حتى عادت حادثة أخرى لزميل قتل زميله تطفو على السطح وحوادث أخرى مرعبة في بعض المدارس نتيجة لغول التنمر، وهذه الظاهرة بين الأطفال والمراهقين ليست لدينا في السعودية فقط بل هي ظاهرة عالمية، كما أنها ليست في مجتمع الذكور فقط بل كذلك عند البنات، وقد ظهرت قبل عدة أيام قصة تنمر مرعبة في الكويت وقد تواصلت معي إحدى قريبات الطفلة التي تدرس بالصف الثالث الابتدائي بمدرسة (عفراء بنت عبيد) وبعثت لي صور مخيفة للطفلة بعد الاعتداء عليها بالضرب المبرح من قِبل طالبة أخرى تدرس بالصف الخامس الابتدائي، حيث أصيبت بكسر في الفك وسقوط عدد من أسنانها، وما زالت الطفلة تتلقى العلاج بالمستشفى ولم تظهر بعد نتائج التحقيقات.
ولدينا بالمملكة اعتراف كامل بالمشكلة، وكذلك هناك آليات تعمل على حلها، ودراسات وبحوث تدرس المشكلة، وقد تم نشر إحصائيات صادرة عن وزارة الداخلية أن 82% من الحوادث بالمملكة تتعلق بالعنف داخل البيئة المدرسية. وبرغم إطلاق برنامج رفق الإرشادي لخفض العنف وسعي وزارة التعليم مع برنامج الأمان الأسري الوطني بوزارة الحرس الوطني واللجنة الوطنية للطفولة ومكتب منظمة الأمم المتحدة اليونيسيف لدول الخليج لدحر مشكلة التنمر في المدارس، من خلال المشروع الوطني للوقاية من العنف بين الأقران فلم ينتهي التنمر الكارثي، لأنه قد يسبب ولادة إرهابي صغير.
وتتعدد أسبابه برأيي فمنها تعرض المتنمر في فترة الطفولة أو المراهقة لاضطرابات نفسية لم يتم علاجها في مهدها فأصبحت غولا تفترس صاحبها قبل ضحاياه.
وقد أكد عدد من العلماء أن الإنسان أحيانا ونتيجة تعطل جين معين في المخ يصبح مسلوب الإرادة متنمرا، وهي حالات نادرة الحدوث كما برهنوا أن نقص بعض العناصر الغذائية مثل الزنك وفيتامين سي وإضافة بعض مكسبات الطعم واللون كالتترازين قد تسبب سلوكيات عدوانية وتنمر، وهو طبقا للعلماء ليس شرا مطلقا بل طاقة حيوية تسبب توتراً إما تتوجه سلبا في التنمر أو إيجابيا في القتال والدفاع عن الوطن والشرف.
أعتقد أن المشكلة الأكبر والتي تتسبب في كوارث حياتية هي (الغضب) في كل التصرفات ومع جميع ردود الأفعال، هنا من المهم أن نعمل على تأسيس إدارة الغضب من السنوات الأولى للطفولة، أما في المراحل الدراسية فقد اطلعت على عدد من البرامج، وجدت أن أفضلها البرنامج القائم حاليا في بريطانيا لعلاج التنمر وهو anti-bullying program أي برنامج مكافحة البلطجة، ولا يمنع أن نأخذ من هذه البرامج ما يتناسب معها، المهم أن تعمل هذه البرامج بأقصى سرعة لمعالجة المشكلة قبل أن تتفاقم!