د.فوزية أبو خالد
- 1 -
قد تكون أرضنا للبعض نفطاً فقط
وقد تكون أراضي مقدسة فقط
وقد تكون أرضاً حلوباً وحسب
ولكن كل ذرة تراب بعيدة أو قريبة خصبة أو صحراء ساحل أو سروات هي وطن غال على قلوبنا، ومن أجله يرخص الدم وتعلو القيم والهمم.
- 2 -
قضيتُ ليلة الأحد ويومه كاملاً مصعوقة، أتابع ردات الفعل والتعليقات على جريمة الاعتداء التي وجهت إلى موقعي أبقيق وخريص النفطيين بالمنطقة الشرقية. ولشدة تعجبي من نوعية الكثير من التعليقات وردود الفعل، فقد شعرت من تسمُّر فقرات ظهري أمام الشاشات الذكية - وإن لم تبدُ حينها على هذه الدرجة من الذكاء - بأنني ممن كانوا يقولون عن أنفسهم إنهم ينتمون إلى «حزب الكنبة» إبان أحداث مفصلية كانت تمر بهذا الوطن أو ذاك، رغم أنهم في أوطان مثلنا ليس فيها أحزاب أصلاً. غير أن جسامة حدث - ما - أحياناً تُشعِر الإنسان بأنه مجرد نقطة في بحر متلاطم، أو تجعله يشعر بالاغتراب عن مجرى عام، قد لا يملك فيه من الأمر الشيء الكثير للمواجهة المطلوبة حسب منسوب غليان الدم في العروق من الحادثة.
قرأتُ بعض ما جاء من تغطيات وتعليقات بصحيفة النيويورك تايمز والواشنطن بوست والإندبندنت من الصحف العالمية، وقرأتُ مقابلها الورقي والإلكتروني من الصحافة العربية، إلا أنني لم أعثر في معظمها إلا..., إما على ردات فعل وتعقيبات باردة في عمومها أو مستهلكة ومتحفظة، وما خرج منها عن ذلك الحس كان مشغولاً ببُعد وحيد من الحدث هو بُعده الاقتصادي، وفي زاوية محدودة هي زاوية تأثير انخفاض إنتاج النفط السعودي بمقدار النصف عن المعتاد، مع التعبير عن قلق محدود أيضاً على احتمال أن يؤدي ذلك إلى إحداث خضة مربكة في السوق العالمية للنفط؛ نتيجة ارتفاع أسعار النفط المؤكدة والتي قد تكون غير مسبوقة في سرعتها ونسبتها، بتقدير وصل إلى حدود 100 دولار.
وإذا كنتُ أحاول أن أُبدي - أمام نفسي من باب ضبط النفس ليس إلا - تفهُّماً لذلك التركيز الأحادي على الجانب البراجماتي للحدث / أي الخوف من وقوع خلل في استقرار سعر النفط التجاري، إلا أنني لا أستطيع أن أكتفي به ولا يطاوعني عقلي ولا شجني الشخصي في حب الوطن وفي عشق السلام لوطني وللعالم من ألا أقف وقفة مراجعة وتأمل رغم فداحة اللحظة عند مواجع الحدث السياسية والوطنية وبطبيعة الحال النفطية.
وفيما يلي أقف عند عينة أخرى من الجوانب التي أوجعتني وبالكاد توقفت عندها الصحافة الورقية وإلكترونية معاً، ناهيك عن إغفال جهابذة السياسية والإعلام «التحليلي» لها، وكأن لا أحد يرى الفيل في الغرفة حسب المثل الأمريكي، أو كأن «جرح في رأس غيري كأنه شطب في جدار»، أو المثل القائل «ما تحرق النار إلا رجل واطيها».
- 3 -
وعلى تعدد جوانب الموضوع فإنني أوجزها هنا في النقطتين التاليتين:
أولاً، لا بد من ملاحظة أنه رغم أن هذه المنطقة من العالم كانت تاريخيا هدفاً لقوى الهيمنة الأجنبية وليس تاريخ الاحتلال الأمريكي للعراق ببعيد، إلا أنها المرة الأولى في ربع قرن من الزمن التي تستهدف المنطقة النفطية بالخليج نفسها بنفسها، باعتداء عسكري سافر من قبل دولة غاشمة من دوله على دولة أخرى من دول الجوار. وهذه السابقة العسكرية المرعبة - التي لابد من التصدي لها بكل جدية لقطع جذورها - تستحضر ذلك المثال الصدامي المجنون في غزو الكويت، والذي لو لم تجرِ مجابهته بكل مسؤولية عالمياً وخليجياً لأصبح تبادل الاعتداءات العسكرية روتيناً يومياً في منطقة تعتبر من أخطر مناطق العالم في حالة - لا سمح الله - اشتعالها.
ثانياً، لا بد من الاعتراف أنه بغض النظر عن فتور أو حماس العالم في النظر لهذه الاعتداء العسكري الواقع على أراضي المملكة، فإن الحل الحقيقي هو مواجهته مواجهة مباشرة حرباً أو صلحاً. والواقع أنه لن يكون بالإمكان مواجهة هذه الضربة العسكرية الإجرامية التي تلقتها حقول النفط على شرق أرض المملكة العربية السعودية بأبقيق وخريص مواجهة جذرية تمنع تكرارها لو قبلنا بمفاخرة الحوثي التضليلية بأنه هو من قام بتوجيه هذه الضربة العسكرية، ولم نجعل الفاعل الحقيقي يتحمل مسؤولية هذا الاعتداء العسكري، سواء جاءت الضربة من أرض اليمن أو من أرض العراق، والفاعل الحقيقي كما يعلم العالم أجمع - إلا إذا كنا الوحيدين الذين لا نعلم - هو النظام الإيراني، الذي وإن تصرف بروح المليشيات في لبنان والعراق واليمن لتشتيت الانتباه عن دولة الإرهاب التي يقودها بزعامات دينية طائفية، إلا أنه هو وليس سواه الذي يجب أن يكون المستهدف المباشر بالمواجهة؛ لشل قدرته على المضي في التوحش وعلى الاعتداء العسكري بالنيابة وبالأصالة عن نفسه على دول الجوار.
ثالثاً، أن القول بإن أبقيق وخريص ليستا نجران وأبها وجيزان كما تردد في صحف أجنبية وعربية قد يكون صحيحا بمقياس نفطي بحت دولياً، وذلك للتدليل على خطورة تطورات الموقف بالنسبة لاستقرار الاقتصاد العالمي، إلا أنه ليس صحيحاً بالنسبة للسعودية مجتمعاً ودولة، فالمساس ولو بذرّة تراب واحدة من أبعد نقطة ولو في الربع الخالي من المملكة العربية السعودية هو مساس بكل مواطن أينما كان موقعه، كما أنه مساس بالوطن سياسياً وأمنياً.
ولذلك فإن حق المملكة المشروع الذود عن أرضها النفطية وغير النفطية والمقدسة وغير المقدسة فكل وطن هو أرض مقدسة.