أحمد عبدالعزيز الجنيدل
هنالك شيء من الصعب تجاوزه في الهجمات ضد معملي النفط في بقيق وخريص، الهجوم بحد ذاته لن يكون مؤثراً على مستوى إنتاج النفط في المملكة، حيث إن طاقة المملكة الإنتاجية للنفط تبلغ حوالي 13 مليون برميل في اليوم، وهي لا تنتج سوى تسعة ملايين برميل، لذلك بإمكاننا توقع أن المملكة تستطيع تعويض النقص في الإنتاج بزيادة الإنتاج في الأيام المقبلة. لكن المزعج حقًا هو حقيقة أن الهجمات لم تكن قادمة من اليمن، وإذا صحت التحليلات التي تقول إن الهجمات أتت من العراق فهذا الشيء يثير الاشمئزاز أكثر من أي شيءٍ آخر، لأنه لا يعني إلا شيئًا واحدًا، وهو أن الميليشيات الطائفية في العراق اختارت طوعًا أن يُستخدم العراق في الهجوم على السعودية والزج بالعراق وشعبه في ويلات لا ناقة له فيها ولا جمل، تحقيقًا لأهداف النظام الإيراني. لو أن هذه الميليشيات لديها ذرة وطنية - وهي ليس لديها- لطرحت سؤالين عندما طُلب منها استخدام أراضي العراق للهجوم على السعودية: الأول لماذا لم يتم استخدام الأراضي الإيرانية للهجوم؟ ولو كان لديها ذرة عقل -الذي هو الآخر ليس لديها- لعلمت أن إيران لم تستخدم أراضيها لتجنب نفسها الهجوم على أراضيها وأنها تريد عدم زيادة معاناة شعبها. ومن هذا الجانب فالإيرانون كانوا أكثر وطنية حتى من الميليشيات العراقية التي أطلقت الطائرات، إذ إن العراقيين لم يفكروا بالمعاناة التي قد يعانيها الشعب العراقي أو الآثار السلبية على النظام السياسي -الذي هو هش أصلاً- واحتمالية توتير العلاقات مع السعودية، هذه الميليشيات نفسها هي التي شاهدت وهي واجمة قبل أسابيع عدة قصف إسرائيل للعراق بسبب تخزينهم لأسلحة إيرانية وسماحهم لإيران باستخدام أراضي العراق لهذا الغرض، لكن قبل حتى أن تبرد جثة الفضيحة ها هي تستخدم أراضيها لاستهداف السعودية. لم تفكر هذه الميليشيات سوى بمصلحة إيران ومصلحة الحوثيين، أما شعبهم وبلدهم فلم يكن في قائمة الأولويات وهذا يطرح تساؤولاً جديًا عن معنى الوطنية والانتماء عند هذه الميليشيات وعن أحقية وجودها في المشهد السياسي.
السؤال الثاني المهم الذي كان على هذه الميليشيات طرحه هو لماذا يجب عليها أن تعادي السعودية خاصة في هذا الوقت الذي فيه العلاقات السعودية والعراقية تتجه إلى التطور، والتعاون التجاري يتصاعد بطريقة إيجابية بين الطرفين، دون حاجةٍ لذكر أن السعودية قدمت مساعدات كبيرة للعراق قبل أشهر عدة. لماذا هذه الميليشيات من صالحها توتير العلاقة مع السعودية ومن المستفيد من هذا الأمر؟ مرة أخرى لن تستطيع الجواب على هذا السؤال دون فهم أنهم لا ينطلقون من مبدأ مصالح دولة العراق أو محاولة التخفيف من آلم الشعب العراقي، بل هم ينطلقون من رؤية أنفسهم جزءًا من منظومة (أو عصابة) دولية أكثر من انتمائها للعراق، وأنهم مجرد أداة طيعة لتحقيق رؤية إيران عن المنطقة.
لكن ما الذي على المملكة أن تفعله؟ حاولت المملكة أن تطور علاقتها مع العراق دبلوماسيًا وتجاريًا، والمملكة لا تريد مشكلات مع حكومة العراق، لكن الحكومة المركزية يجب أن تقوم بدورها الأساسي الذي هو منع استخدام أراضيها في الهجوم على دول أخرى. والقانون الدولي واضحٌ في تقرير مبدأ «حق الدول في الدفاع عن نفسها». ومادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تنص عليه، وهنالك شرطان يجب على الدول تحقيقهما قبل استخدام هذا المبدأ والرد عسكرياً. الشرط الأول هو شرط المناسبة والثاني هو شرط الضرورة. أما المناسبة فالمقصود به أن يكون الرد متناسبًا مع الخطر الموجه إلى الدولة، والثاني هو أن يكون الرد ضروريًا لحماية أراضيها. هذان الشرطان متحققان في حالة السعودية بشكل واضح، وبالتالي المملكة تملك الحق في الهجوم على الجهة التي هاجمتها من العراق متى تأكد لها ذلك، لكن مثل هذا الهجوم يخضع لموازنات سياسية وعسكرية عديدة، لكن الحق نفسه موجود ولا أحد يستطيع لوم السعودية في حال استخدمته.