عبده الأسمري
اعتدت يومي الجمعة والسبت على رسائل التوجيه من عميد رؤساء التحرير العقل المخطط لهذه الصحيفة أستاذنا خالد المالك والمتضمنة التذكير بموعد الإرسال في زاويّتي الأسبوعيتين «بروفايل» و»حياد».. حينها لا أنظر إلى التوقيت بقدر نظرتي إلى إرضاء غرور هذا «الموجه المهني.. والوجيه الإعلامي».. ثم أنقل بوصلتي إلى عقلي وما حوى وفكري وما احتوى.. كيف لي أن أضيف رصيداً إلى متون «الرأي» وكيف لي أن أجدد وأسدد الوصف والتوصيف والمفردة والتفرد.
منذ أن امتطيت صهوة الكتابة قبل سنوات في «أزهى عصور الصحافة» لم أكن أرى في الميدان إلا فرساناً يشار إليهم بالبنان فتيقنت أنه إما أن تكون على قدر النزال وإما أن تتنازل لتعطي الفرصة لغيرك.. ومع مرور الوقت تعلمت وأيقنت أن الكتابة الاحترافية أداة تغيير وعامل تطوير وروح عطاء وبوح سخاء فإما أن تكون إضافة وأما أن تتنحى.
منذ البداية اعتدت أن أكون «حياديا» موظفا عنوان زاويتي في ما أكتب مرجحا كفة اتزاني بين ثقافة تسكنني وصحافة تتلبسني..
في خضم معترك الكتابة الصحافية في صفحات الرأي بدأنا الكتابة عن «التنمية» بالتلميح عن «الأخطاء» عندما كان مقص الرقيب «حاداً» و»جاداً» في ذلك الحين في مقالات خاضعة لسقف «حرية» منخفض رغم أن قامة الكتابة تستطيع اختراقه متى ما سنحت الفرصة وفتحت أبواب الإجازة. ومع الوقت ارتفع هذا السقف فتحولنا من «التلميح» إلى التصريح» وبتنا نسمي الأمور بأسمائها.. نرى المقال منشوراً والأمور مطمئنة.. فلا إيقاف ولا استيقاف شرعنا في الركض والمضي قدما فأصبحنا نقول هذا فاسد وتلك مفسدة وأصبحنا عيناً لا تنام للدولة في كشف «الأوراق» ونبش «الأخطاء» ووصف الداء.. ثم تحولنا لعصر جديد تحولنا فيه أن نكتب بأريحية وحرية تلامس حتى المرح والفرح ونحن نفصل رداء «الرأي» وفق الواقع وحيث المنطق فصوبنا كلماتنا نحو «الهدف المنشود»..
بعد هذه السنين والتي بات الحديث عن فساد «علني» أو «كساد» معلن يستطيع أن يكتب عنه «فارغاً» يملأ وقته بتغريدات بعضها جوفاء وأخرى صماء وتحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى «نشر غسيل» و»مواقع تهويل» و»منصات تأويل» واتضحت العناوين من أجل الكشف والاكتشاف والتعليق بسخرية لدرجة «السفه». باتت الكتابة تتطلب نوعاً آخر من الركض وميدان جديد يقتضي التثقيف والتوعية ومواجهة خصوم التنمية وأعداء التطور وردع «السفهاء» بالقلم وحياكة الرأي بالحرف وتوصيف الحل بالكلمة.
عندما قررت أن أنزله لم أجد الكثير فالبعض غادر والبعض بقى معصوب العينين ونوع أخير ظل في رتابة التقليد وكآبة المحاكاة.. علمت حينها أن الوقت والمرحلة تستدعي «رواجاً» للفكر الحديث.. لم تعد الكتابة «محصورة» في الحديث عن التنمية والأخطاء فالهيئات الرقابية والوزارات تقوم بعملها ولديها من الموظفين ما أن تنوء باستيعابهم «المباني» فاتجهت إلى «مجال» تأثير آخر يقتضي الكتابة بنفس طويل مستندا إلى «سقف حرية» يرتفع وفق أفق «سعة» الكاتب وبعد نظره.. لذا قررت أن تكون الكتابة عن «الإنسان» و»المسالك» في أغلب المقالات بحثا عن «الحياد» الذي يتقمصني لأن التنمية «مجال» و»الميزانيات» مال و»الفكر» طريقة و»الهدف» غاية» والتخطيط وسيلة ولكنها كلها تبقى في «حيز سلوك إنساني» يعتمد على المثيرات والاستجابات ويتعامد على ذات تستقبل ونفس ترسل وشخصية تقرر.
الكتابة أمانة تقتضي أن نرسم المشاهد ككتاب رأي وأن نكون الشهود في «عين الحقيقة» والمدافعون عن «زيف» الفساد والمترافعون عن «بؤس» الكساد مما يقتضي أن نوزع آراءنا ونبني رؤانا موزعة ما بين «مجتمع» تتقمصه السخرية وتهزمه العاطفة وتسكته الفاجعة وما بين «أصحاب قرار» و»ملاك تأثير» يجب أن يخضعوا للقول ويستوعبوا الشور.. حتى نكون في اتجاهين حتميين من تغيير المجتمع «سلوكا» والتصرفات «مسلكا» وأن لا يظل كاتب الرأي مجرد موضح للحق وساكت عنه ولا معين للتطوير وصامت بشأنه.. ولا كاتبا يكتب مقاله في انتظار القراء بل يجب أن يكون القارئ الأول الذي يستقري سلوكيات مكتوبة بالأفعال وردودها والقرارات وشؤونها من البشر حتى يكون كاتبا يجيد «التشخيص» ويصف الحلول.