د. أحمد الفراج
تتواصل قافلة أسوأ الساسة، الذين حكموا الدولة الأمريكية، وضيفنا اليوم هو الرئيس والإقطاعي، جون تيلور (1841-1845)، الذي يعد أكثر ساسة أمريكا حظاً عبر تاريخها، إذ لم يتم انتخابه رئيساً، بل اختاره الرئيس، وليام هاريسون نائباً له، وكما ذكرنا في المقال الماضي، فقد مات هاريسون بعد شهر واحد من تسنّمه منصب الرئيس، بعد أن أرهق نفسه في حفل التنصيب، عندما رفض ركوب العربة المعدة له، وركب على ظهر حصان، ثم خطب طويلاً، في يوم بارد وممطر، وبعدها مرض ومات.
بعد وفاة هاريسون، وهو أول رئيس يموت أثناء رئاسته، حصل لغط كبير، إذ لم يكن الدستور الأمريكي صريحاً حيال ما يتوجّب فعله، ولكن نائب الرئيس، جون تيلور، قرَّر أن الدستور يمنحه صلاحية خلافة الرئيس، وبالتالي فقد أدى قسم الرئاسة، ثم انتقل إلى البيت الأبيض، ولم يتفق كثير من المشرعين على ذلك، وقد أثّر ذلك على فترة رئاسته، إذ كان بعض أعضاء الكونجرس يطلقون عليه لقب نائب الرئيس، أو الرئيس المكلَّف، وبلغ الأمر أن بعضهم يرسل للرئيس مظروفاً موجّهاً لـ: «الرئيس المكلَّف»، ولكن الرئيس تيلور يعيدها لهم دون يفتحها، ولا شك أن مثل هذه العلاقة المرتبكة، بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية كان لها أثرها السيئ على مدى فترة رئاسة تايلور، التي استمرت زهاء أربع سنوات، أي فترة رئاسية واحدة، حكم فيها دون أن ينتخبه الشعب.
الغريب هو أن ما فعله الرئيس تيلور، أي خلافة نائب الرئيس للرئيس المتوفى مباشرة، أصبح تشريعاً رسمياً، بعد أن تم تعديل الدستور ليتوافق مع ما فعله! (التعديل الخامس والعشرين)، ورغم كل ما رافق رئاسة تيلور من عقبات، أثَّرت على إنجازاته داخلياً، إلا أنه حقق بعض النجاح في سياساته الخارجية، فقد أنجز اتفاقيتين مهمتين مع بريطانيا والصين، كما كان له دور كبير في ضم ولاية تكساس للولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن انفصلت عن المكسيك، وقد عُرف عنه أنه من المناصرين لحقوق الولايات، والتقليل من تدخّل الحكومة الفيدرالية بشؤونها، وهذا ما جعله يصطف - بعد خروجه من الرئاسة بسنوات - مع ولايات الجنوب، التي رفضت تحرير الرقيق، وقامت حرب عليها بسبب ذلك، قادها وانتصر فيها الرئيس ابراهام لينكولن، وهذا يعني أن الرئيس تيلور لم يكن رئيساً سيئاً فقط، بل وإقطاعياً وقف مناصراً للاستعباد، في بلد الديمقراطية والحريات!