د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تلقيتُ دعوة كريمة من المنتدى الثقافي للشيخ محمد صالح باشراحيل -رحمه الله-، الذي يرأس مجلس إدارته الشاعر الدكتور عبد الله محمد باشراحيل، لإلقاء محاضرة بعنوان رؤية في اقتصاد المملكة العربية السعودية في 11/ 1/ 1441 مساء.
الجميع كان يتفق على أن اقتصاد المملكة العربية السعودية في الفترة الماضية يعاني تحديات هيكلية، جعلته اقتصادًا أحاديًّا ريعيًّا غير مستدام رغم أن هناك جهودًا بُذلت في تأسيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع لتحرير الاقتصاد من الاعتماد المفرط على النفط.
ورغم ذلك ظل اقتصاد المملكة أسيرًا للاقتصاد الأحادي الريعي غير المستدام، وخصوصًا بعدما انخفضت أسعار النفط في منتصف 2014، وبدأت الدولة تعاني عجزًا في الميزانيات. وفي عام 2016 تبنى الأمير الشاب محمد بن سلمان رؤية المملكة 2030، صاحبها القضاء على الفساد من الأعلى، بجانب إلغاء القيود الاجتماعية المغلفة بالدين، وهي في الأساس قيود ظنية غير يقينية، مثل تحريم الاختلاط، وتحريم الترفيه والسياحة.
التحديات الهيكلية ليست مقتصرة على المملكة فقط، بل عانت منها دول عديدة في العالم، وإن كانت بطرق أخرى. فمثلاً الرفاهية في الغرب بُنيت على خروج الاستثمارات إلى الصين التي تمتلك مزايا تفوقها، تتمثل في رخص الأيدي العاملة، ولم تقبل تلك الدول بأن تستقدم أيدي عاملة، تحرم أبناء البلد الأصلي من العمل، وترتفع بينهم البطالة؛ فلا يمكن أن تكون نسبة البطالة في أمريكا 3 في المائة وفي السعودية تزيد على 12 في المائة، وتزيد على ذلك في المرأة. فأمريكا اتجهت إلى الحرب التجارية لمعالجة الفجوة التجارية في الميزان التجاري بينها وبين الدول الأخرى البالغة 100 دولة، وخصوصًا مع الصين، وكذلك المملكة لجأت إلى رفع تكاليف اليد العاملة الأجنبية لمعالجة مشكلة البطالة، وتمكين المرأة من العمل بعدما أزالت القيود الاجتماعية المغلفة بالدين، وهي ليست قيودًا يقينية، بل ظنية، دعمتها هيئة كبار العلماء.
وخصوصًا أن المملكة تمتلك مقومات جيوسياسية، وتتمتع بموقع متوسط بين العالم، وهو جسر يربط الشرق بالغرب، والشمال بالجنوب، ولا توجد دولة في العالم تمتلك هذه المميزات. وقد أشار القرآن إلى هذه المميزات عندما دعا إبراهيم - عليه السلام - لهذا البلد {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}.
فأعداد العمرة وصلت إلى 8.5 مليون معتمر عام 2018، وتضاعفت ثلاث مرات خلال عقد، ولكن الرقم لا يتناسب مع خطط رؤية المملكة 2030 بأن يكون الرقم 15 مليون في 2020، و30 مليونًا في 2030؛ لذلك أوقفت الدولة رسوم العمرة المكررة البالغة ألفي ريال من أجل تحقيق أهداف الرؤية.
المملكة تمتلك مقومات لا تمتلكها دول أخرى؛ فعدد السياح في دبي 16.7 مليون سائح أعلى من نيويورك البالغ 13.7 مليونًا في 2018، وهي سادس مدينة في العالم، وإعادة الصادرات في المملكة نحو 32 مليار ريال، فيما تبلغ في الإمارات أكثر من 500 مليار درهم، فيما السعودية تمتلك موقعًا جيواستراتيجيًّا، وهي قريبة من إفريقيا، وهي قارة الجميع، ويُتنافس عليها، وخصوصًا من الصين التي ربطت الحزام والطريق بإفريقيا عبر المملكة العربية السعودية؛ لذلك اتجهت السعودية إلى بذل جهود المصالحة في القرن الإفريقي، واتجهت إلى تحرير اليمن من إيران وأذرعها، وبذلت جهودها في إعادة الاستقرار إلى مصر والسودان، ومن قبل في البحرين؛ وذلك من أجل أن تتحول المملكة إلى منصة تجارية لإعادة الصادرات والصناعة بما يتناسب مع مكانتها الجيواستراتيجية، إلى جانب إحياء بقية القطاعات الاقتصادية، كالتعدين والسياحة والترفيه.