نتفق جميعاً على أن عصرنا الحاضر هو عصر التقدم العلمي والتقني، ومع التطور الهائل والسريع في وسائل التسلية والترفيه إلا أن هناك ظاهرة انتشرت وسيطرت على حياة الأفراد في هذا الزمن، ألا وهي ظاهرة الاغتراب بشتى أنواعه ومظاهره، حيث إن الاغتراب سمة مميزة من سمات الإنسان، وإن اغتراب الفرد هو قدرته على الانفصال عن وجوده في المجتمع والتعايش مع أفراده.
وكل فرد من أفراد المجتمع يعاني من الاغتراب، فهناك اغتراب الطالب الجامعي في جامعته، وهناك اغتراب العامل في مكان عمله، وهناك اغتراب الموظف في المؤسسات والشركات.
وأخذت هذه الظاهرة بالانتشار بين طبقات مختلفة من المجتمع خاصة لدى كبار السن، إذ إن ظروف الحياة رافقت التقدم الحضاري وجعلت مشكلاتهم تتزايد، وأخذ ينظر إلى الشيخوخة وطول العمر بأنه نقمة لا نعمة، وما يصاحب هذه الفترة من العمر من تغيرات جسمية ونفسية وعقلية التي تؤدي إلى درجات متفاوتة من العجز الذهني والنفسي والبدني، وبالتالي يعانون من عدم الاستقرار وقلة الشعور بالأمن، والقلق الدائم والإحباط والانسحاب وعدم القدرة على اتخاذ القرار بعد تقدمهم في العمر وعجزهم.
ومن الأمور التي لا يختلف حولها الباحثون والمهتمون والمتخصصون في دراسة الشيخوخة والذين تناولوا موضوع الاغتراب بأن هناك تغيرات لدى كبار السن، ومن أهمها الشعور بالعزلة والعجز والانسحاب وعدم القدرة على التوافق مع المجتمع أو أفكاره ومع أفراده، وأيضاً العزلة عن الذات والشعور بعدم القدرة على الفعالية والتأثير في المجتمع أو الشعور بعدم جودة الحياة.
وهناك مظاهر للاغتراب لدى كبار السن ومنها العزلة والشعور بالوحدة، وهذه تنعكس على حياة المسن وعلى أسرته الشعور بالوحدة والعزلة، حيث تتأثر الحالة النفسية للمسن مع التقدم في العمر، فقد يشعر المسن بالوحدة والملل، أو أنه أصبح شخصاً غير مرغوب فيه أو لا فائدة منه، مما يُنمي فيه حب الوحدة والعزلة، وقد يكون ذلك لانعكاس المعاملة التي يجدها المسن من أسرته وأقاربه. ومن المظاهر الانسحاب من الحياة الاجتماعية، حيث يتخذ بعض المسنين الانسحاب الاجتماعي أسلوباً لحياتهم، فيأنس المسن بالجلوس لوحده أو مع أفراد أسرته المقربين، ويقرر عدم الاختلاط مع الآخرين من الأصدقاء والجيران والأقارب. ويقل حضورهم ومشاركتهم في المناسبات الاجتماعية؛ وقد يرجع ذلك لإحساس المسن بأن الواقع الذي يعيشه لا يمت بصلة لواقعة الشخصي، فالحياة قد تغيرت وأصبحت الأمور والأشياء غير مألوفة، لذا فهو يرى في الانسحاب الاجتماعي وسيلة للهروب من الواقع وحماية لنفسه من التصادم مع المعطيات الجديدة.
ومن المظاهر والتي لها من الأهمية هي عدم الرضا عن الحياة، ويختلف كبار السن في مدى رضاهم عن الحياة وباختلاف الخصائص الاجتماعية, والاقتصادية, والديمغرافية، حيث يزداد الرضا بين حياة المسن كلما كان المسن يزاول مهنة ما أو وظيفة، في حين ينخفض الرضا عن حياة المسن عندما لا يزاول أي نشاطات مهنية أو وظيفية. ومن مظاهر الاغتراب الاجتماعي لدى كبار السن هو الابتعاد عن المشاركات الاجتماعية والتفاعل مع أفراد المجتمع، وتتمثل هذه العوامل في اضطراب العلاقات الاجتماعية والتطرق في فقد الآخرين، إذ إن بعض المسنين تضعف علاقاته الاجتماعية بينه وبين أصدقائه المسنين من أمثاله، خاصة عندما يقولون من حوله ممن هم في سنه بالموت أو البعد مما يترك لدى المسن حالة من الأنانية ونقد الآخرين خاصة للأحفاد وصغار السن بما يخلق فارقاً في التفكير، والتباين في العواطف، والبعد في المشاعر.