للصحة النفيسة الرقمية تعريفات عديدة، منها ما صدر عن مراكز أبحاث غير حكومية متخصصة ومنها ما صدر عن الجمعيات والمؤسسات العلمية المهتمة بالصحة النفيسة الرقمية.
وقد أجمعت أغلب هذه التعريفات على أنها تعني تقديم خدمات الصحة النفسية ومعلوماتها وتسهيل عملية الوصول إليها عبر الإنترنت أو الهاتف المحمول أو الثابت. وتشمل هذه الخدمات البرامج والتطبيقات ومجتمعات الدعم والدردشة عبر شبكة الإنترنت والبريد الإلكتروني والاستشارات النفسية الهاتفية.
ولكنّني أرى أنها تعني استخدام نظم المعلومات لإنشاء طبقة إضافية من الخدمات المبتكرة والمساندة التي توفر إصدارات محسنة ومتكاملة عن خدمات الصحة النفسية التقليدية بقصد تحسين فاعليتها وإمكانية الوصول إليها. وهي خدمات تفاعلية مترابطة يمكن تقسيمها إلى خمسة أنواع يمكن تقديمها للأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بمرض نفسي أو للأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية بسيطة أو متوسطة كما يمكن تقديمها للأصحاء أيضاً. إذ يمكن، مثلاً، تقديم خدمات الصحة النفسية الرقمية التي تستهدف مشاكل الصحة النفسية الشائعة البسيطة أو المتوسطة، كالاكتئاب والقلق، من خلال المواقع الإلكترونية التفاعلية (interactive websites) وتطبيقات الهواتف المحمولة والساعات الذكية وأيضاً من خلال أجهزة الحاسب الآلي ووسائط التواصل الاجتماعي.
كما يمكن أيضاً تقديم بعض هذه الخدمات عن طريق برامج المساعدة الذاتية أو شبه الذاتية التي تعتمد على التوجهات النفسية للقوى العاملة في المجال الصحي النفسي أو في مجال الرعاية الصحية الأولية.
استخداماتها
تستخدم أدوات الصحة النفيسة الرقمية في مجالات عديدة منها:
* تعزيز الصحة والتثقيف النفسي.
* في أساليب وطرق الوقاية والتدخل المبكر.
* خدمات التدخل في الأزمات ومنع الانتحار والتنمّر.
* في طرق تقديم العلاج النفسي.
* في خدمات إعادة التأهيل والدعم المتبادل.
فوائدها ومعوقاتها
من فوائد الصحة النفيسة الرقمية:
* التغلب على المعوقات الموجودة حالياً في الطريقة التقليدية لتقديم الرعاية.
* تحسين الوصول إلى الخدمة ذلك أنها تمكّن من التدخل الفوري والمرن وعالي الخصوصيّة للفئات المستهدفة.
* تخفيض التكلفة وتحسين جودة الخدمات المقدّمة.
أمّا معوقاتها فتتمثّل في:
* مستوى تمكّن الأفراد ومقدمي الخدمات من استخدام التقنيات الرقمية ووسائط التواصل الاجتماعي.
* مدى معرفة الأمن السيبراني للأفراد ومقدّمي الخدمات.
* قلة المعرفة بالخدمات وقدرة الصحة النفيسة الرقمية المتاحة.
* مستوى شدة الحالة النفسية للفرد، حيث إن استخدام هذه الخدمات مقتصر على الحالات النفسية البسيطة أو المتوسطة.
ولكن لا بد من الإشارة هنا أن مسألة الخصوصية في تقديم الخدمات التي عددناها من فوائد الصحة النفسية الرقمية، قد تطرح مشكلاً يتعلّق بأمن البيانات الشخصيّة وخصوصيتها، مما يحوّلها إلى عائق من معوقات الاستخدام. لذلك، نرى أنه لا مناص من تحميل بيانات المستخدم وتوجهاته النفسية على برامج وتطبيقات على حوامل في المملكة كما هو المعمول في الحوسبة سحابية. وفي هذا الإطار لا بدّ من تثمين توجّه كثير من مقدمي خدمات الصحة النفسية من أطباء وأخصائيين نفسيين في المملكة - خلال السنوات الثلاث الأخيرة- إلى تبني أدوات التقنية الحديثة من إنترنت وتطبيقات الهواتف ذكية واستخدامها، لتقديم وسائل بديلة من أجل تحسين عملية الوصول إلى الخدمات أو من أجل الزيادة في وعي المجتمع بالأمراض النفسية وثقافته. ويتجلّى هذا التوجه في جملة من المبادرات الجادة التي شهدتها المملكة، منها تلك البرامج التي تقدّمها اللجنة الوطنية لتعزيز الصحة النفسية، مثل مبادرة الهاتف الاستشاري وتطبيق «دليلك» الذي يعرّف بمقدمي الخدمة النفسية في القطاعات الحكومية والخيرية والخاصة إضافة إلى تطبيق «أنا هنا» المتخصص في تعزيز الصحة النفسية والذي يهتمّ بالعديد من المواضيع في ذلك المجال،كما يتيح إمكانية إرسال الاستشارات النفسية والرد عليها من قبل أخصائيين في مجال الصحة النفسية، وأخيراً تطبيق «جميل جداً» لتعزيز مهارات الحياة لدى أفراد المجتمع عن طريق تقديم الاستشارات الأولية للدعم النفسي. ولكن في غياب نظام وطني موحّد للصحة النفسية الرقمية، ومع كثرة الاجتهادات التي سواءً كانت من بعض الجهات الحكومية أو الخاصة أو الفردية في المملكة، نجد مجموعة من الخدمات والتطبيقات المشتتة غير المنسقة وغير المترابطة والمتكررة وغير المبنية على أدلة وأسس علمية، مما يؤثر في مستوى تحديد الأدوار والمسؤوليات أو النهج الإستراتيجي في القطاع العام أو الخاص، وفي مستوى زيادة التكاليف في تطوير قطاع الصحة النفسية. لأنّ من أهم مزايا توحيد النظام، وتحسين التنسيق والتكامل بين الصحة النفسية والخدمات وتقليل الإنفاق الحكومي على البرامج والمشاريع غير المجدية التي سبق ذكرها في ثنايا المقال.
** **
- باحث أكاديمي