د. محمد عبدالله الخازم
مؤسسات التعليم العالي الأهلي في المملكة، أهمل تطويرها كمنظومات جامعية، فكرية، اقتصادية، متكاملة، وما تفعله هو التركيز على التعليم - البرامج الأكاديمية والاهتمام بالمبنى وبعض الأنشطة الترويجية أو الجاذبة للعملاء وهم الطلاب هنا. التعليم العالي الأهلي في المملكة ينقسم إلى مؤسسات غير ربحية وهي ما شكل بداية التعليم العالي الأهلي في المملكة؛ جامعة الأمير سلطان، جامعة اليمامة، جامعة دار الحكمة، جامعة الأمير محمد بن فهد وغيرها ومؤسسات ربحية سمح لها لاحقًا.
مؤسسات التعليم العالي الأهلي، ربحية أو غير ربحية، تعد كيانات اقتصادية، لكن الصورة غير واضحة حول أصولها ومواردها ومصروفاتها وأرباحها ونشاطاتها المالية. نقدر أهداف مؤسسيها بتقديم التعليم كمنتج يأتي امتدادًا لمشروعات شركاتهم الأم، لكن هناك خطرًا كبيرًا في هذا المجال. يجب ألا نترك الأمر على هوى التجار، دون ضوابط تضمن استقرار المؤسسات التعليمية، أو ننتظر نموذجًا سلبيًا يسيء لمن يعملون ويبذلون بإخلاص في هذا المجال. بعض تلك الجامعات غير ربحية وعلى الرغم من ذلك لا نرى لها أوقافًا ولا مشروعات استثمارية، فأين تذهب أرباحها؟ وبعضها تجارية لا نعرف هل أصولها ومصروفاتها وأرباحها مستقلة أم هي تتداخل مع مشروعات غير واضحة المعالم؟ لقد عملت بصفة استشارية في إحداها فكانت صلاحيات مديرها محدودة ماليًا، لا تعرف لها ميزانية سنوية محددة مسبقًا، ويتحكم فيها مدير الشركة الأم للمؤسس، وهو يعتقد أنه صاحب المال والأعرف بكيفية الحفاظ عليه. بعض ملاك الكليات الأهلية ربما جزء من طموحهم في تأسيسها أكاديمي وربما رغبتهم في العمل الأكاديمي، وهذا حقهم. لكن أن يديروا الجامعة والكلية والمستشفى والشركة والعقار والصيدلية والبقالة بنفس الفكر والمستوى، فهذا خطر على استقلالية الكيان الأكاديمي وخصوصيته المختلفة عن أي كيان تجاري آخر.
أرى ضرورة تسجيل الجامعات والكليات الأهلية ككيانات اقتصادية أو تجارية وفق الأنظمة المرعية في أي نشاط تجاري، وأن يتبع ذلك إجبارها على إعلان ميزانياتها السنوية عبر الصحف وفق نظام الشركات المتعارف عليه بعد مراجعتها عن طريق محاسبين قانونيين معترف بهم. بل ليس هناك ما يمنع من تسجيل شركات أكاديمية في البورصة. هذا الأمر سيدعم التشريع والرقابة لتلك الكيانات، بدءًا من الاطلاع على أوضاعها المالية، وتطوير أنظمة حوكمة واضحة لها، وانتقالاً إلى فرض معايير محددة تتعلق بأدائها، كأن ندفع بها لتبني توظيف المواطنين وتحويل جزء من الأرباح نحو دعم البحث العلمي والوقف الجامعي والمنح الدراسية وغير ذلك. الجامعة الأهلية ليست مجرد بقرة حلوب يستـنزف التاجر جميع مواردها، أو يستغلها لتدوير بعض أمواله، دون توفير جزء من أرباحها للتطوير والبحث والأوقاف والخدمات المجتمعية وغير ذلك.
لا يجب أن نسجل كلية تحت مسمى منظمة غير ربحية، فنجد القائمين عليها يتوزعون أرباحها ولا يعيدون تدويرها في مشروعات تخدم الجامعة، كما يجب أن نحرص على استدامة الكيان الأكاديمي. لست متشائمًا أو اختلق سيناريوهات سوداء، فقد حدث بأن مؤسسي بعض الكيانات الأكاديمية - دون ذكر أسماء تجنبًا للحرج القانوني- تعرضوا لصعوبات تجارية وصلت مرحلة الإفلاس والمحاكمات، وأثر ذلك بشكل مباشر على مؤسساتهم الأكاديمية!