د. خيرية السقاف
الصغير قبل الكبير يُعد الأيام القليلة الباقية ليوم الوطن، يوم التأسيس العظيم لبنيته، لقِوامات اتجاهاته الكبرى الأربعة، شماله وجنوبه، شرقه وغربه، ومن ثم بقية الاتجاهات المنبثقة عنها..
الصغير يدرك أن يوم الاثنين المقبل ستعلو الراية الخضراء فوق كل ذرة تراب في أرضه، ونحو كل فضاء يحتويه ويظله،..
ستدق دفوف النشيد الوطني، سترتدي العاصمة والوطن كله عاصمة لونه الأخضر الريان، مضيئًا بنور «لا إله إلا الله»، تعالى الله، «محمد رسول الله» عليه الصلاة، والسلام،..
سيتجهون لشوارعه، ودروبه، وأماكن ترفيهه، ومطاعم وجباته، ومتاجر إمداده، في لحمة واحدة..
الصغير يدرك أن قلبه الذي يخفق لهذا اليوم فلأنه سيكون سُلامة في جسد الراكب فيه، والراجل فوق أرصفته، والفرح الطَّرِب، والمُنشد المُعبِّر، والطائر بأجنحة الخفق الذي يزجه في كل لحظات هذا اليوم مسترجعًا ما سمع، ما قرأ، ما رأى، ما يدري عن قصة تأسيس هذا الكيان الشامخ «الوطن، وعن واقع ما يعيش فيه..
البارحة تحلق حولي صغار يسألونني: ماذا سترتدين يوم اليوم؟، أدهشني السؤال، فأعدته إليهم بنظراتي، لماذا؟، فإذا ببعضهم يفاجئني بما أعد ليوم الوطن؛ شالاً أخضر، وقميصًا عليه راية الوطن، وشعارًا معدنيًا منقوشًا باسم الوطن، قال أصغرهم: «جمعت مصروفي اليومي وابتعت لأبي وأمي شعار الوطن»..
إذن ليست فرحة الصغير كي تُغلق المدرسة بابها في هذا اليوم، لأنه ليس يوم راحة، ولا فسحة، سيستيقظ باكرًا، سيحرك كل نبضة فيه ليكون إلى الوطن، طلقة النور، وشلال الفرح، وتدفق الحميَّة، وتأكيد الانتماء، والإحساس بهذا الكيان، وهو يُشاد شامخًا، كلُّ عمود فيه كتفٌ في قامة أعضائه، وكل قطرة دم في عروقهم جداول نبع هويتهم، وإحساسهم،..
الصغار يعلموننا كيف أُسَّس الوطن في صدورهم، كيف عُجِن في نسيج كيانهم،
كيف هو يعلو في ضحكاتهم، يترقرق في فرحهم، يسطر سجلات تعبيرهم..