عبدالمحسن بن علي المطلق
ولا تبدو الرجولة إلا بموقف عصيب حين تُمتحن، وهكذا سطّر والد معتزّ (خويتم بن سعد الحارثي) حين أعلن تنازله عن قاتل ابنه لوجه الله، وسجّل ذلك في محضر شرطة ضاحية لبن..
أجل هو موقف يحسب له وعليه يُحمد، في تنازله عن دم ابنه.. مقابل (شرطين) زاداه -وربي- رفعة:
الأول أخرج الصغير المتهم، والآخر عدم التعرض للإدارة ومعلميّ (المدرسة).
لله درّك والتربية التي سمت بك على جرحك الكبير وأخرجتك مما أنت فيه مُتعاليًا على آلامك، لتستحضر جرحًا آخر يعانيه من أهل الطفل الذين لا شك أنهم في وقت عصيب.
وهذا والحمد لله تربية ديننا ثم ما عهده مجتمعنا من الخيرية التي يسعى إليها في ظل وحدة والحمد لله كل يوم تزيد من ترابط الأسرة الواحدة في دار (وطن واحد) تستظل وتنقاد تحت راية التوحيد.
«أبا معتز» ليس للكلمات قدر صنيعك فنثري، لكنها عبارات نفرت من قلم شعر بك.. ثم عرف لموقفك قدرًا، واستحضر لذاتك العالية مقامًا.
شكر الله صنيعك، وتقبّل ابنك، وجعله يستقبلك ووالدته على أبواب الجنة، ولأن كنّا حزينين بما حدث لكننا فرحون بما انتهى إليه الأمر (تنازلكم)، وبصنيعكم فخورون فهذا مما يحسب لكم ولأمثالكم..
فأنتم سطرتم بالفعل وبـ»مداد من ذهب» ما أقدمتم عليه، حين تساميت على جراحك، ومهما وصفنا.. فلن نبلغ ما تُقاسي في حالة من فقد للابن لكن هكذا الرجال، وهذا ما يُنتظر منهم وما كنت لأملي إلا بدافع الاحتفاء بموقف كبير لا يصدر (حقيقة) إلا من نوعية هي خاصة، وربما مُحددة إذ لا غرو أن النفس البشرية تختلف من إنسان إلى آخر وتتفاوت في تفكيرها بين عظيمة لا ترضى بالقليل وبين أخرى رضيت بالدون!
ومن يتدبر في إيجاز من أوتي جوامع الكلم -صلى الله عليه وسلّم- ما جاء من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) متفق عليه.
وهذا الحديث ذكره الإمام النووي -رحمه الله- في باب «الصبر».. لأن الإنسان حينما يحتدم الحنق في قلبه، ويمتلئ غيظاً وغضباً فإن السيطرة على النفس عند ذلك وكبح جماحها عن التعدي يحتاج إلى صبر عظيم وهناك يُلفى لدى صاحبه بالفعل حيازة هذا المعنى الكبير، ودلالة ما للقوة والشدة من وجه حقيقي، فيقاس جراها المواقف وأهلها بذات الوقت.. وعلى هذا يُؤخذ تقعيد بل (حكم) هذا..
وإذا كانت النفوس كبارًا
تعبت في مرادها الأجسام
.. فأنعم بكم -أبا معتز- ووالدته الأم المكلومة، وأنعم بقلب كبير تحمله، ورحم الله صغيرنا الغالي «معتز»..