د. فهد صالح عبدالله السلطان
لعل من أخطر التحديات التي تواجه شعوب الأمة الإسلامية في العصر الحاضر هو تمكُّن الشعور الانهزامي وتعمق النظرة السلبية بين بعض أبناء المجتمع المسلم عن مجتمعهم وعن المسلمين بوجه عام.. في مقابل الإعجاب المفرط في المجتمع الغربي. والسبب في ذلك يعود بشكل رئيس لحرب ناعمة يقودها بعض مفكري الغرب وإعلامه ومستشرقوه حتى تمكن هؤلاء من برمجة بعض أفراد المجتمع المسلم وتشكيكهم في قيمه العظيمة والزهد فيها وتركيز ذهنه على سلبيات مجتمعه ومميزات المجتمعات الأخرى. وهرول وراء ذلك بعض الطوائف الاجتماعية خاصة أنصاف المثقفين، حتى تأصل لدى أبناء الأمة بل وبعض مفكريها نظرة سلبية متشائمة عن حاضرها تمتد بأنيابها إلى التشكيك في تاريخها العظيم أحيانًا وفي معتقدها أحيانًا أخرى. وقد استخدم الأعداء أخطر وسائل الترويج لذلك، حيث ركز هؤلاء على محور التقدم العلمي في المجتمعات المتحضرة كدليل على سلامة المجتمع والمعتقد فيه، وعلى الطعن في قيم المجتمع المسلم (أقوى مرتكز فيه) ومحاربتها بدعوى أنها سبب تخلفه.
وحقيقة لا بد لنا أن نعترف أولاً بقصورنا العلمي وتدني مستوى مساهمتنا في برامج التطور العلمي والتقني المتسارعة على الساحة العالمية. ولكننا في الجانب الآخر نمتلك أفضل القيم الاجتماعية وأسلمها وأصحها.
ومن منطلق الوقوف على أرضية مشتركة للنقاش دعونا نتفق على أن الحضارة بمفهومها العام تعتمد على بعدين: المادي العلمي والروحاني الاجتماعي.. نعم نحن كأمة متأخرون في الجانب المادي العلمي والذي حققت فيه المجتمعات المتحضرة قصب السبق في عصرنا الحاضر، ويجب أن نعترف بذلك ونعيد ترتيب أوراقنا ونعمل على معالجة قصورنا فيه. ولكننا متقدمون جدًا في الجانب الحضاري الآخر (الروحاني الاجتماعي).
وبعيدًا عن التنظير سنستعرض هذا الجانب من خلال طرح علمي يستند إلى لغة الحقائق والأرقام. تفيد الدلائل الإحصائية أن المجتمع الغربي يعاني من أمراض بيولوجية وثقافية خطيرة، وأن مستوى الحياة الاجتماعية فيه تتدهور يومًا بعد الآخر.
وتشير تلك الدلائل إلى أن المجتمع الأمريكي بوجه خاص والغربي على العموم يعاني من ظواهر سلبية خطيرة عدة، منها تفشي المخدرات، فحسب مجلة الطب التابعة لكلية الأطباء الأمريكية، هناك ما يقدر بنحو 64 ألف حالة وفاة لعام 2016 بسبب تعاطي جرعات زائدة من المخدرات في الولايات المتحدة. (35 حالة وفاة لكل 100 ألف مواطن من الذكور، و20 حالة وفاة لكل 100 ألف مواطن من الإناث لعام 2015).
كما يعاني المجتمع ذاته من تزايد عدد المواليد مجهولي الهوية. العلاقات المحرمة تفتك بالمجتمع الغربي. ثلث الأطفال بالولايات المتحدة ينشؤون خارج مؤسسة الزواج، وهناك أكثر من 400 ألف طفل من مراهقين. وفي فرنسا 40 % من أطفالها غير شرعيين. وفي هولندا هناك 10 % من الزيجات تتم بين الشواذ. وفي مجال اجتماعي آخر تؤكد الأرقام أن في أمريكا - أغنى بلد في العالم- أكثر من 500 ألف مشرد وبدون مأوى. وفي مجال الأمن الاجتماعي هناك عدد من المدن الغربية تنصح مواطنيها بعدم الخروج بعد الساعة الحادية عشرة مساء. ولا يتسع المجال لذكر المشكلات الأخرى كالعنف الأسري والطلاق ومشكلات الاغتصاب والسرقة والاحتيال وتفشي الكراهة والعنصرية... الكثير من الكتب والدراسات الغربية تؤكد على انهيار النظام الاجتماعي للأسرة في الغرب.
لعل من أشهر الكتب وأكثرها مبيعًا في المجتمع الغربي هو كتاب «موت الغرب» لباتريك جيه بوكانن، وهو سياسي ومفكر أمريكي مخضرم، شغل منصب مستشار لثلاثة رؤساء أمريكيين، وخاض معركة تسمية المرشح لمنصب الرئيس عن الجمهوريين مرتين في عامي 1992 و1996، وهو كاتب لعمود صحافي دائم في عدد من الصحف الأمريكية، وعضو مؤسس لثلاثة من أشهر برامج التلفزيون العامة في محطة إن. بي. سي ومحطة سي. إن. إن.
في هذا الكتاب، ينبه بوكانن إلى أن الموت الذي يلوح في أفق الغرب هو في الواقع موتان: موت أخلاقي، بفعل الثورة الثقافية التي قلبت القيم التربوية والأسرية والأخلاقية التقليدية، وموت ديموجرافي - بيولوجي يظهر بوضوح على شاشات الكمبيوتر وفي السجلات الحكومية التي تشير كل يوم إلى اضمحلال القوى البشرية في الغرب، وإصابة ما تبقى منها بشيخوخة لا شفاء منها.
وفي المقابل فإننا نحن المسلمين نعيش في مجتمع راقٍ سليم يكره الرذيلة ويحب الاستقامة، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ونتمتع بقيم عظيمة لا تتوافر لغيرنا، كالحب والرعاية والتكافل الاجتماعي والروابط الأسرية واحترام الكبير ورعاية الصغير والإيثار والعفو والإحسان والأمان الاجتماعي والخيرية ...الخ.
حان الوقت لأن تتبنى الأمة الإسلامية طرح مبادرة تهدف لتعزيز ثقة الأمة بهويتها وبقيمها وتاريخها ومنهجها وافتخارها بها.. وفي الوقت نفسه تستورد أهم ما وصلت إليه المجتمعات المتحضرة من العلم والتقنية والإبداع، فالحكمة ضالة المؤمن.. في ظني أن الجمع بين قيمنا العظيمة وبين أحدث ما وصل إليه المجتمع العالمي من تقدم علمي وتقني سيجعلنا في موقع عالمي فريد يحقق طموحات قادتنا الكرام وتطلعات الأمة الإسلامية.
فهل إلى ذلك من سبيل،،،