د. أحمد الفراج
نواصل الرحلة مع أسوأ رؤساء أمريكا. وقد كتبنا عن ستة ممن نالوا هذا الشرف، هم: أندرو جانسون وجورج بوش الابن ووارين هاردنق وجيمس بوكانن وفرانكلين بيرز وميلارد فيلمور. واليوم سيكون حديثنا عن الرئيس وليام هاريسون الذي انتُخب رئيسًا في عام 1841، وهو أسوأ الزعماء حظًّا؛ إذ إنه توفي بعد اثنين وثلاثين يومًا فقط من بدء مهامه الرئاسية، وهو يعتبر أكبر رؤساء أمريكا عمرًا عند فوزه بالرئاسة، في عمر الثامنة والستين. وقد كسر الرئيس رونالد ريجان هذا الرقم القياسي، ثم كسر ترامب رقم الاثنين.
هاريسون كان قائدًا عسكريًّا فذًّا، أسهم في تأسيس أمريكا في بداياتها، وكان والده سياسيًّا وإقطاعيًّا معروفًا؛ إذ إن أمريكا تأسست على يد مجموعة من المزارعين الإقطاعيين، والساسة المثقفين في الوقت ذاته، مثل جورج واشنطن، وجون آدمز، وتوماس جيفرسون، وغيرهم. وإضافة لقدراته العسكرية فقد امتهن العمل السياسي؛ فأصبح حاكمًا لولاية أنديانا الشمالية، ثم عضوًا في مجلس النواب، ثم مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو الشمالية أيضًا، وتم انتخابه رئيسًا بعد أن تقاعد، واعتزل في مزرعته الخاصة.
بعدما انتُخب هاريسون رئيسًا للولايات المتحدة، وألقى القسم، خطب خطبة طويلة جدًّا، بلغت أكثر من ثمانية آلاف وخمسمائة كلمة، واستغرق إلقاؤها أكثر من ساعتين، وتعتبر أطول خطبة «تنصيب رئاسي» في تاريخ أمريكا. ومع أن الأجواء كانت ممطرة وباردة في واشنطن دي سي إلا أنه أصر على أن يثبت أنه لا يزال عسكريًّا قويًّا رغم عمره المتقدم؛ لذا لم يلبس معطفًا، ولا أي ملابس ثقيلة، ثم زاد على ذلك بأن رفض ركوب العربة المعدة له، وهي عربة مغطاة، تجرها الأحصنة، وأصر على السير في شوارع واشنطن على ظهر حصان؛ إذ كان فخورًا بتاريخه العسكري. وحضر ثلاث حفلات، وهذه الحفلات تعتبر تقليدًا أمريكيًّا راسخًا، تنظمها اللجنة المسؤولة عن حفلة التنصيب الرئاسي، ولا تزال قائمة حتى اليوم. ولعلكم تذكرون حفلات تنصيب الرئيس باراك أوباما، وبعده دونالد ترامب، التي نقلتها الشاشات العالمية على مدى ساعات طويلة. وجرت العادة أن يمر الرئيس المنتخب وزوجته، ونائب الرئيس وزوجته، على كل هذه الحفلات التي يحييها في العادة كبار الفنانين الأمريكيين والعالميين.
بعد انتهاء حفل التنصيب للرئيس وليام هاريسون، وما صاحبه مما سبق ذكره، شعر الرئيس بوعكة صحية، ظن الأطباء أنها نزلة برد عادية، ولكن الأمر تفاقم كنتيجة لضغط برنامج العمل للرئيس الجديد، ثم تطور المرض إلى التهاب رئوي حاد، وبعد أيام دخل الرئيس في مرحلة الخطر، وبدأ بالهذيان، وبذل أطباؤه كل جهد ممكن في استخدام الاستراتيجيات الطبية المتاحة في ذلك الزمن المبكر، ولكن كل ذلك جاء متأخرًا؛ فقد تدهورت صحة الرئيس بشكل أكبر، ثم توفي بعد تنصيبه رئيسًا للقارة الجديدة بشهر وأيام عدة، كأقصر فترة لرئيس أمريكي، وحتى قبل أن يهنأ بالمنصب الذي حلم به طوال عمره. وهنا نصيحة للجميع، وخصوصًا أصحاب المناصب الجديدة، بأن يترفقوا بأنفسهم؛ فالحماس أمر جيد، ولكن قد تكون عواقبه وخيمة، كما رأينا. والخلاصة هي أن المؤرخين والاستطلاعات الشعبية صنفته ضمن أسوأ الرؤساء، وليس واضحًا - حسب بعض المؤرخين - ما إن كان هذا التصنيف جاء بسبب أدائه المتدني كرئيس أم بسبب قِصَر المدة التي قضاها رئيسًا!