د. حمزة السالم
مصطلح إعادة تقييم العملة يتعلق بالتجارة الخارجية. (لأن الطلب على العملات الأجنبية، لا يكون إلا بسبب حاجة شراء سلع حقيقية أو مالية من دولة أخرى). ولا يطلق إلا على العملة المربوطة بغيرها، بأحد أشكال الربط. وهذه الأشكال في الحقيقة، إنما تمثل درجات شدة الربط. فتتراوح من أشد الربط، كالوحدة النقدية، إلى التعويم النظيف (وهذا نظري، فلا يوجد تعويم نظيف 100 %). فمن أشكال نظام ربط العملة: الربط بعملة واحدة، أو الربط بسلة عملات، أو الربط بعملة واحدة أو بسلة عملات مع ترك هامش تذبذب، أو كالربط مع التدرج في رفع سعر العملة أو خفضها، بنسب محددة في أزمنة معلنة، أو تكون النسب والأزمنة مجهولة (وعدم الإفصاح عن النسب والأزمنة، يجعل العملة أقرب لحال التعويم القذر).
فالدولة التي يكون لديها فائض تجاري، ستشح عملتها لكثرة الطلب عليها، وسيرتفع سعرها. والسماح للسوق برفع سعر العملة المربوطة، يعتبر كسراً للربط، (تماماً كما أن العكس صحيح). وبالتالي فعلى البنك المركزي إعادة تقييم عملته بسعر صرف أعلى. فإن ضخ البنك المركزي من عملته ما يفي بكمية الطلب، دون تغير سعر عملته المربوطة، تصبح عملته حينئذ مُقيمة بأقل من قيمتها. وقد يعتبر هذا عدوانا اقتصاديا، كالصين.
والسبب في كونه عدواناً: أنه عملٌ ضد سنة خلق الله لديناميكية السوق التجارية الدولية. فالديناميكية السوقية للتجارة الدولية تعمل كالميزان بين اقتصاديات الدول. وسعر صرف العملة هو أداة ديناميكية السوق. ومعنى كونها ميزاناً، أي أنها توجه الاستيراد العالمي تجاه الاقتصاد الضعيف عن طريق رفع عملة الاقتصاد القوي. فيتعافى الاقتصاد الضعيف، ويُنفَس الاقتصاد المتنمر، بينما تستمر عافية الاقتصاديات المتعافية. (فكأن ديناميكية السوق الدولية فيها نوع من مفهوم الاشتراكية، بتضحية القوي لأجل إنقاذ الضعيف). وهذا التوازن يجري تلقائياً بسنة الله التي خلق السوق عليها، سبحانه. لذا، فضخ الصين لليوان في سوق العملات، من أجل المحافظة على انخفاض اليوان يعتبر تنمراً عدوانياً على الدول المنافسة المصدرة ككوريا واليابان. ذلك، لأن انخفاض قيمة اليوان، يخنق اقتصاديهما، بانتزاع الصفقات التجارية الدولية منهما. وهذا الخنق ليس لكفاءة منتج، بل لمجرد تغيير لأرقام في الدفتر المحاسبي. وكذلك يعتبر عدواناً على الدول التي تستورد بشراهة من الصين، فقد يتسبب هذا بتعطيل اقتصادها، كالذي تدعيه أمريكا، تغنجا -كما أعتقد-. فاقتصاد أمريكا القائم على الاختراع، يناسبه هذا الوضع. فالشكوى الأمريكية، ما هي إلا مناورات لكسب صوت الناخب الأمريكي، وسلوك إستراتيجي لدفع الصين بعدم التفكير، في تعديل الميزان التجاري، من أجل دفع الاقتصاد الأمريكي للتطور، بحدة للاختراع والابتكار -خاصة بغياب الحروب- وبالتالي المحافظة على النمو الاقتصادي لأمريكا بل وللعالم كله. فالصناعات التي تصدرها الصين لأمريكا، غالبها صناعات بدائية استهلاكية تنافسية بالنسبة لأمريكا. فالأفضل للاقتصاد الأمريكي أن يُخدم بمن يصنع له مثل هذه الصناعات، ليتفرغ ويتحفز لما هو جديد.
وهذا قد حدث سابقاً في أزمنة وأحوال وأشكال مختلفة. منها مثلاً: عندما تعاهد الأمريكان والأوروبيون، رواد صناعة النسيج والملابس، فوضعوا اتفاقية فرض الحصص المحددة من النسيج والثياب والملابس لكل دولة.
وكانت صناعة النسيج الكورية من أعظم المتضررين من هذا القرار، حيث وجدت نفسها أمام حاجز تجاوزها حصص التصدير. لكن هذا القرار دفع كوريا لصناعات أكثر تقدماً، كما فتح الباب لدول أخرى مسحوقة اقتصاديا، لتؤسس اقتصاديات النسيج في بلادها كبنجلادش، كما دفع الاقتصاد الأمريكي نحو صناعات جديدة متطورة، فعوض السوق خسارته، بصناعات أرقى، ذات ربح أوفر، والأهم أن فيها مجال واسع، للتطوير والإبداع، الذي هو محرك النمو وقلبه.
ويُنتبه: أنه لا يلزم الربط، للتلاعب بقيمة العملة المحلية. فيمكن للبنك المركزي أن يمارس التعويم القذر (يطلق هذا المصلح على التعويم الذي يتدخل فيه البنك المركزي للتأثير على سعر صرف عملته). ويكون التلاعب بقيمة العملة المعومة، بضخ البنك المركزي منها في السوق الدولية، ليلبي زيادة الطلب العالمي عليها. فيمنع بذلك من ارتفاع سعر صرفها. إذاً: فتغير قيمة العملة المعومة، لا يُسمى إعادة تقييم العملة، بل يُسمى ارتفاع سعر صرف العملة في حال الزيادة أو انخفاض سعر الصرف، في حال النقصان. وسبب عدم تسميتها بإعادة تقييم العملة: هو كما بيناه سابقاً، بأن ديناميكية السوق هي من تقوم بإعادة تقييمها أوتوماتيكياً طبقاً لعوامل الطلب عليها والعرض، لا بتدخل البنوك المركزية، فيفسد توازنات اقتصاديات العالم.