سمر المقرن
عندما يصبح أبغض الحلال الطلاق كظاهرة جوية تُصلح أرضاً وتتلف أخرى، فربما يستريح الآباء من عناء حياة وصلت فوهة بركان فيقرروا الطلاق كحل للخلاص من هذه الحياة، عندئذ وفي حالات ليست قليلة، يصبح الأطفال هم الضحية كالأرانب التي تتعثر في مدارج الفيلة، فتلقى للأسف مصيراً متشحاً بالسواد أقله غلق الآباء أحضانهم الآمنة في وجوه زينة الحياة الدنيا فلذات أكبادهم، أو تلقى الضياع ثمناً لتعنّت آباء «يُماطلون» أو «يمتنعون» عن دفع نفقات أبنائهم. أراه تماماً كطائر بلا قلب يهجر العش بلا رجعة رافضاً الجود بحبة قمح لإطعام الصغار! يا الله، حقيقة الرقم مفجع فمحاكم التنفيذ تلزم آباء مماطلين بدفع 122 مليون ريال نفقة لأبنائهم! ويأتي هذا الرقم لينزع عن هؤلاء الآباء سوءاتهم بعد أن فتنهم الشيطان، فهبطوا إلى أرض الهروب من المسؤولية لأي سبب وتركوا الأبناء في شقاء.
إن هذه الأرقام هي وقائع مؤلمة عن آباء نزعوا إنسانيتهم وقلوبهم بأيديهم فلا تبقي ولا تذر شيئاً من معاني الأبوة، حيث ألزمت دوائر ومحاكم التنفيذ 10937 ممتنعاً عن النفقة بدفع أكثر من 122 مليون ريال نفقة لأبنائهم خلال العام الهجري المنصرم 1440هـ، وتوعدت هذه الدوائر الآباء الذين تخلوا عن أبوتهم بإجراءات صارمة، تكفل حقوق المحضونين بناء على أحكام قضائية متعلقة بقضايا النفقة، وتصدرت منطقة مكة المكرمة قائمة الطلبات المقدمة لدوائر التنفيذ بـ3893 طلباً بقيمة 40 مليون ريال، وأقلها نجران بـ30 طلباً بقيمة 146 ألف ريال!!
وحسناً فعل معالي وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني عندما وجّه المحاكم بمعاملة الآباء الممتنعين عن أداء نفقة الأطفال المقررة شرعاً كالمعنفين لهم في العقوبات، فهنا وزارة العدل حددت آليات حازمة للحد من المماطلة أو الامتناع عن تنفيذ الأحكام الصادرة عن محاكمها، خاصة في قضايا النفقة.
فهل يحتاج الآباء سيف القانون والعدل ليعرفوا واجباتهم كآباء لينفقوا على صغارهم وأبنائهم؟ وهل يأكلون ويحتسون القهوة ويسهرون في الاستراحات ويستمتعون بحياتهم، وينامون بدمٍ بارد يحلمون أحلاماً سعيدة دون أن يطرف لهم جفن، وتطمئن قلوبهم ولهم كابوس حي يتنفس..! لهم أبناء بلا نفقة يواجهون مصائرهم كالأرانب الصغيرة التي تتعثر في مدارج الفيلة؟!