سهوب بغدادي
فيما أقوم بإنهاء كتابي الأول -الأخير- حيث أفصّل فيه تجربتي عن سنواتي الأربع مع البطالة والطرق التي سلكتها لكي أتمكّن من الحصول ولله الحمد على وظيفة (أحلامي). نعم، كوني امرأة سعودية جعل سقف طموحاتي عالياً جداً وكفتاة من عائلة محبة للعلم والدراسة حرصت على نيل أعلى الدرجات وجمع الألقاب المثالية والدروع المتآكلة ومن ثم مروري بتجربة الغربة لستة أعوام في بلاد رحبت بي كشخص من الدرجة الثانية والنصف وربما أقل. نلت الشهادة -الكبيرة- ولله الحمد بالإضافة إلى حصولي على كم هائل من الدورات ودراسة سبع لغات أجنبية وإتقان بعضها بطلاقة مطلقة وحرصت كذلك على اكتساب الخبرات المتنوّعة من الخارج لكي أكون جاهزة لدخول سوق العمل فور عودتي إلى المملكة. بغض النظر عن فصل الخريف الممتد الذي مررت به حتى أزهر ربيعي, أشجع إخواني وأخواتي على البدء بالنفس أولاً عوضاً عن التذمر والاستسلام، فهنالك فرصة خفية على الدوام. قد يقول أحدهم: (أين الفرصة هذه؟) فأقول له: إنها خفية, أي يجب عليك البحث عنها وصنعها وتشكيلها لنفسك بنفسك - فها أنا اليوم أكتب لكم عبر صحيفتي الجزيرة وذلك جزء أعتز به من رحلتي للبحث عن ذاتي-. واخصص بعض الأفكار العملية لطي نسبة كبيرة من البطالة في المملكة العربية السعودية. فيما نعاصر فترة ذهبية في وطننا الغالي على جميع الأصعدة وانخفاض معدلات البطالة خلال العام الماضي نستبشر بالأعوام القادمة بالتأكيد, فمن أهم المجالات التي تسهم في خفض البطالة (التعليم) فهو ثروة الوطن والأداة الأساسية لتطوير الحياة مع مواكبته لثلاثة أمور (العولمة والتنافسية والثورة المعرفية) إضافة إلى غرس العقيدة الإسلامية المعتدلة في نفوس النشء وإكسابهم المعارف والمهارات الأساسية والحديثة اللازمة ليكونوا أعضاء فعَّالين في المجتمع ويسهموا في دفع عجلة التطور والازدهار للوطن الحبيب. مما لا شك فيه أن رفع جودة التعليم سيزيد الناتج المحلي بشكل غير بسيط عند تقليل نسب البطالة، فبحسب دراسة (Problems of Manpower Economics)
إن تقديم مستوى بسيط جداً من التعليم الابتدائي بنسبة 1 % قد يساهم في زيادة إنتاجية العمل بحدود 44 % أي أن تأثير التعليم مباشر على الاقتصاد وبذلك اقترح تحويل مؤسسة التدريب التقني والمهني إلى هيئة التدريب التقني والمهني, لتشرف بذلك على العملية التعليمية والتدريبية للشباب والشابات الطموحين عن طريق تحقيق معايير الجودة وتطبيق الأنظمة المتكاملة للتقويم والتوجيه وتحفيز الابتكار والتنوّع لبناء قيادات مؤهلة على جميع مستويات وأنواع الأنظمة التعليمية في المملكة بتوظيف التقنية ودعم القرار المبني على الأدلة والمعلومات. فمن شأن الهيئة سد الفجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل, كون التوسع في التدريب المهني والتقني أمراً بالغ الأهمية لازدهار الاقتصاد وكون التعليم عنصراً أساساً في رؤية 2030 ومكوناً أساساً لتنفيذها. إن الهدف من الهيئة ليس التوظيف فقط، بل التطوير النوعي لكفاءة المواطنين وتطورهم العلمي والمهني من خلال تفعيل خطة وطنية تعيد المتعطّل عن العمل إلى مرحلة تأهيلية وتحضيرية عن طريق التعليم التقني والتدريب، كما يبرز دور الهيئة في رفع كفاءة ذوي الوظائف المتدنية الدرجة أو الأجر وترتبط الهيئة يشكل مباشر بمجلس الوزراء. فيما يخص جذب الشرائح المستهدفة في هذا المشروع, تقدم لهم مكافأة شهرية وتأمين طبي وسكن للقادمين من المناطق النائية والقرى وإعطاء بدل سكن للآخرين مع تقديم مكافأة أعلى لرب الأسرة المتدرب، فيما تتولى الشؤون الاجتماعية إعانة والدي المتدرب خلال فترة التأهيل. إن هذا المشروع لا يقل أهمية عن إعادة هيكلة النظام التعليمي العام والعالي وبرنامج الابتعاث بتقنين التخصصات والمسارات لتتوافق مع سوق العمل وتتواكب مع التطوير الشامل الذي نشهده.