يمكن لمن يتابع وسائل الإعلام الأمريكية أن يرى أن هناك مصطلحاً وسمت به بعض الإدارات الأمريكية المتتابعة، وهو حزب الصقور وحزب الحمائم يتردد كثيراً وهو واضح المعنى، وهذا المصطلح بالفعل موجود في واقع الصحافة الأمريكية منذ فترة طويلة من خلال العديد من الصحفيين الأمريكيين، ولنأخذ مثالاً على ذلك متمثّلاً في الصحفيين سيمور هيرش وتومس فريدمان اللذين يجتمعان في عقيدة واحدة ولكنهما يختلفان كثيراً في مجال العمل الصحفي من حيث الآراء والطرح حول أغلب القضايا السياسية الأمريكية الخارجية، فنجد أن هناك تبايناً واضحاً في عرض الحقائق وتبرير الدوافع والأهداف لحدث ما يقع في الماضي والحاضر.
يمكن أن نقول ومن خلال المقارنة إن سيمور هيرش هو الأقرب في الواقعية في تناول الأمور والتفاعل معها بشكل رصين بعيداً عن قلب الحقائق والمراوغة التي تغلف في ظاهرها بقيم الحرية، بينما داخلها طمع واستغلال، تنطبق كثيراً على توجهات فكر تومس فريدمان الذي يغلب عليه النزعة الاستعمارية، وهذا يتضح من خلال قوله (إن اليد الخفية للسوق لا يمكن لها أن تزدهر من دون قبضة خفية؛ يعني ذلك أن ماكدونالدس لن تزدهر أبداً من دون ماكدونالد دوغلاس التي صممت طائرات اف 15). ومفهوم ذلك أن وجودك يبقى تحت رحمة تلك القبضة الخفية، هذا الطرح يعبّر بجلاء عن فكر تومس فريدمان، بعكس سيمور هيرش الذي ينحو نحو البحث عن الحقيقة وإماطة اللثام عن الماسي التي خلفتها السياسة الأمريكية الخارجية في تعاملها مع بعض الدول وتوضيحها للجمهور بصدق، يدفعه إلى ذلك البعد الأخلاقي والإنساني الذي أثّر فيه واقع حياته التي عاشها وعانى فيها كثيراً، لهذا نراه في حماس وجدية يكشف عن قضية كادت أن تطوى بشكل متعمد وهي (مجزرة ماي لأي) خلال حرب فيتنام عام 1968م والتي قام بها جنود أمريكيون تعطيه مثالاً على مصداقيته في العمل الصحفي المستقل الذي لا يوجد عند تومس فريدمان الذي نعتبره مسيراً وفق عقلية صقور الإدارة الأمريكية التي يدافع عنها بقوة محاولاً ترسيخ أهدافها وأفكارها في ذهنية الفرد الأمريكي.
لهذا نجد أن هناك اختلافاً كبيراً بين هذين الصحفيين في مهنية العمل الصحفي وكذلك الخبرة التي تميل إلى شخصية سيمور هيرش؛ فهو أكثر اقتداراً ومعرفة.