د. محمد بن صقر
في نقاش ومحاولة لفرض وجهات النظر في أحد الملتقيات العلمية التي حظرتها مؤخراً بين مجموعة من الأشخاص وأعذروني في عدم تصنيفهم لأن لدي تفسيري الخاص لذلك على الرغم أنهم يصنفون (أنفسهم من النخب المثقفة) حول الدور الحقيقي الذي يقومون به نحو المجتمع، فهل دور النخب المثقفة ينحسر في كونه يمثل عين الناقد والمتتبع لأخطاء المجتمع والمفسر للسلوك البشري، والوقوف عند مستوى التفسير والتحليل والمقارنة فقط صاحب معهم في ذلك مصفوفة من مفاهيمهم العلمية وأدواتهم البحثية لتشريح المجتمع دون صناعة الدواء أو بناء مستحضر يسهم في علاجه أم أن دورهم يكمن في تقديم أفكار وآراء وأطروحات لمشاريع نهضوية أو تنموية أو اقتصادية أو فكرية ولكنهم ضلوا السبيل في تقديم هذه الأفكار لصناعة الأثر، فكان جهدهم المضني في مخاطبة الجماهير وعرض آرائهم على الجمهور والمجتمع ليكسب حصيلة من المؤيدين لأفكارهم فقط وليس عاملين أو مترجمين لتلك الأفكار والأطروحات لأن الجماهير وبحسب لوبون المفكر الفرنسي صاحب كتاب سيكولوجية الجماهير بين أن الجماهير أيًا كانت ثقافتها أو عقيدتها أو مكانتها الاجتماعية بحاجة لأن تخضع لقيادة محرك وهو لا يقنعها بالمحاجات العقلانية والمنطقية- وهذا ما تعتمد عليه مع الأسف النخب لدينا- وإنما يفرض نفسه عليها بواسطة القوة كما أنه يجذبها ويسحرها بواسطة هيبة الشخصية تماماً، كما يفعل الطبيب الذي ينوم المريض مغناطيسيًا ومن هنا أيضًا استشهد بقول الخليفة عثمان رضي الله عنه بقوله (إن الله لَيَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن)، وقد يتساءل البعض ما علاقة النخبة بصانع القرار فمن وجهة نظري الشخصية وبقراءة متأنية للتاريخ أجد أن النخبة المثقفة التي ثبتت مشاريعها الوطنية وكان لها الأثر العظيم هي تلك التي تفهم المجتمع واحتياجه وتصنع المشاريع الوطنية والنهضوية وتقدمها لصانع القرار الذي يملك زمام تنفيذها وأدوات تثبيتها وإزالة كل العوائق التي تقف أمامها فبمجرد أن نلتفت إلى التاريخ قليلاً نجد أن من أسهموا في تخليد بعض الحكم والاستراتيجيات والأفكار والمشاريع للنخب المثقفة هم صناع القرار فأرسطو هو معلم الأسكندر المقدوني وباريتو العالم الذي كان يستأنس به موسوليني وابن خلدون وصل إلى قلعة ابن سلامة (مدينة تيارت الجزائرية حاليًا) فأقام بها أربعة أعوام وشرع في تأليف كتاب العبر وأكمل كتابته بتونس ثم رفع نسخة من كتابه لسلطان تونس وها ابن رشد قدمه ابن طفيل لأبي يعقوب خليفة الموحدين فعينه طبيباً له ثم قاضياً في قرطبة والقائمة تطول والشواهد على مثل هؤلاء النخب كثيرة، إن انعدام فعالية من يطلقون على أنفسهم نخب مثقفة في مجتمعنا الراهن هم أنهم في نظر الجماهير ساردين للقصص ومعلقين على الحالات بأسلوب مختلف وهم مهندسو أبراج من حديد على قاعدة من صفيح مجمد سيذوب مع الوقت ولن يكون له أي اثر وبالتالي كان يجب عليه أن يصنع مشروعًا فكريًا تطويريًا ذا ثوابت رأسية تخدم المجتمع يقود فيه المرحلة المستقبلية ويضع لأسس نظرية عملية بنائية فطبيعة النخب المؤثرة لا بد أن تستند في تكوينها التحليلي على جوانب المعرفة المتعددة المشارب والأيدولوجيات وكيفية تفسير تلك المشارب لواقعها الذي تتفاعل معه وتتعامل معه لا يتسنى اثر ذلك تشخيصًا لها بشكل واقعي وفهم أكثر عمقًا ودراية أشمل من حيث المضمون والإدراك والفعل وهذ جله يأتي كمرحلة ابتدائية، يلي ذلك لا بد للنخب من توجيه بوصلة عمله ومشروعه إلى صانع القرار من خلال، بناء وتشيد الأفكار التي تطبق ويكون بذلك هو جسر العبور بين صانع القرار والمجتمع ويكون هو العقد الاجتماعي والمستشار الأمني الذي يفهم متطلبات المجتمع ويصيغها بشكل متناسق مع الأهداف العليا لصانع السياسية وألا تكون هذه النخب همها الحديث أكثر من العمل.