فضل بن سعد البوعينين
أشاد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بـ«دور مؤسسة النقد العربي السعودي المهم في خدمة الاقتصاد الوطني وتحقيق الأهداف المرجوة»، وهو دور فاعل وحيوي، يزداد أهمية مع الإصلاحات الاقتصادية المؤطرة برؤية المملكة 2030 الهادفة لتنويع مصادر الاقتصاد، وخفض الاعتماد على النفط، ودعم القطاع الخاص ليكون المحرك الرئيس للاقتصاد الوطني. نجحت «ساما» تاريخيًا في ضبط وتطوير القطاع المصرفي؛ قلب الاقتصاد وشرايينه؛ وتحقيق سلامته وكفاءته وتجنيبه الكثير من الأزمات، وتطبيق الرقابة الفعالة للمحافظة على استقرار القطاع المالي. وتفعيل دوره في الاقتصاد والتنمية ودعم القطاع الخاص الذي لم يكن قادرًا على التوسع بمعزل عن القطاع المالي، إضافة إلى دعم التمويل العقاري وبما يسهم في توفير الحلول الناجعة لمعالجة أزمة الإسكان ورفع نسبة تملك المواطنين لمنازلهم. كما نجحت في إدارة الأصول النقدية الأجنبية وفق معايير وسياسات استثمارية متقنة وحماية الريال السعودي من هجمات المضاربين، والاستهداف الموجه لضرب الاقتصاد من خلال الضغط على سعره في الأسواق الآجلة.
وبالرغم من استقلالية مؤسسة النقد المُعلنة، إلا أن بعض التشريعات، والعرف السائد عززا من ارتباطها بالمالية. قد يُقبل مثل هذا الوضع قبل رؤية 2030 غير أن مرحلة ما بعد الرؤية تحتاج إلى أنظمة وتشريعات وإصلاحات مختلفة، وعلاقة واضحة ما بين «ساما» و»المالية» من جهة، وعلاقتها المباشرة بالحكومة من جهة أخرى، كجزء من الإصلاحات الهيكلية التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين. فعلى سبيل المثال لا الحصر أعيد تشكيل وزارة الطاقة، وفصلت الصناعة والثروة المعدنية عنها، كما تم فصل التجارة عن الصناعة من قبل وأضيف لها الاستثمار، وأعيد تشكيل مرجعية الصناديق الحكومية وفصلها عن المالية، وأخيرًا فصلت أرامكو السعودية عن وزارة الطاقة تحقيقًا لمتطلبات الحوكمة والمعايير التنظيمية العالمية، وتجهيزًا لطرحها العام.
مثل تلك الإصلاحات المهمة التي تعزز كفاءة العمل، وتحقق متطلبات الحوكمة يجب ألا تتوقف عند ذلك الحد، بل يفترض أن تستمر لتطال المؤسسات والوزارات الحكومية المتداخلة نظامًا أو عرفًا، وأحسب أن مؤسسة النقد في مقدمة تلك المؤسسات الحكومية التي تحتاج إلى دعم أكبر واستقلالية تامة وغير منقوصة تمكنها من أداء مهامها على أكمل وجه، وتسهم بشكل أكبر في بناء الاقتصاد والتمثيل والمشاركة في صنع القرارات الاقتصادية تعزيزًا لدورها المهم في دعم القطاع المالي الذي ينتظر منه الدور الأكبر في تحقيق مستهدفات رؤية 2030 من خلال التمويل وتعزيز دور القطاع المالي، وتقديم الرؤية الدقيقة حول الاقتصاد الكلي، والمساهمة الفاعلة في تنميته وفق رؤى اقتصادية عميقة، ودقيقة. استقلالية البنك المركزي تسهم دائمًا في خلق قاعدة النمو والاستقرار الاقتصادي والنقدي في آن. ومن المهم الإشارة إلى أهمية التمييز بين الجانبين الاقتصادي والمالي في القرارات المتخذة ومآلاتها المستقبلية، وأحسب أن «ساما»؛ برغم مسؤوليتها عن السياسة النقدية؛ إلا أنها يمكن أن تلعب دورًا حيويًا في الجانب الاقتصادي، وتحقيق مستهدفات الرؤية على أسس واقعية، وتحقيق التوازن الأمثل بين المالي والاقتصادي، ما يستوجب حصولها على الاستقلالية التامة، والمرجعية المباشرة لتفعيل ذلك الدور المهم في الحكومة.