د. أحمد الفراج
تتواصل رحلتنا مع أسوأ رؤساء أمريكا، وكما ذكرت في المقال الماضي، عندما تحدثت عن الرئيس، فرانكلين بيرز، فإن أكثر من صنّفوا أسوأ الرؤساء خدموا خلال الفترة الحالكة، أي فترة الصراع حول مشروعية «الرّق»، في الجمهورية، التي ترفع شعارات الحقوق والحريات، إذ كان كثير من الساسة يعتقدون أنه لا يليق ببلد الحريات أن يشرعن الرق، والرئيس الذي سنتحدث عنه اليوم كان أحد هؤلاء، والرّق كان موجوداً في ولايات الجنوب الزراعي، مثل الاباما وميسيسيبي وشمال وجنوب كارولينا وغيرها، دون ولايات الشمال الصناعي، مثل نيويورك وبقية ولايات الشمال.
ضيفنا اليوم في قائمة أسوأ الرؤساء هو الرئيس، ميلارد فيلمور (1850 - 1853)، الذي لم ينتخب للرئاسة، بل خلف الرئيس، زكريا تيلور، الذي مات بعد سنتين من انتخابه عام 1848، والرئيس تيلور من أسوأ الرؤساء أيضاً، وسيكون موضوع مقالنا القادم، والطريف أن الرئيس تيلور، وخليفته، موضوع مقالنا اليوم، الرئيس فيلمور، وخليفة الرئيس فيلمور، الرئيس فرانكلين بيرز، الذي كتبت عنه المقال الماضي، وخليفة بيرز، الرئيس جيمس بوكانون، الذي كتبت عنه سابقاً، والذين حكموا أمريكا من عام 1848 وحتى عام 1861، كلهم تم تصنيفهم ضمن أسوأ عشرة رؤساء في التاريخ الأمريكي، والأطرف أنه جاء بعدهم أفضل رئيس أمريكي، ابراهام لينكولن، الذي حقق بشجاعته وقوته الفولاذية ما عجزوا عنه، أي إلغاء الرق، بعد حرب أهلية دامية استمرت لسنوات!
ولد الرئيس ميلارد فيلمور لعائلة فقيرة، في منطقة بافالو بولاية نيويورك، ثم استطاع بعصاميته أن يشق طريقه التعليمي ثم السياسي، فخدم في الولاية أولاً، ثم انتخب لعضوية مجلس النواب الفيدرالي، ثم اختاره الرئيس تيلور ليكون نائباً له، ومع ذلك همّشه، ولم يستشيره في كثير من قراراته، وبعد موت تيلور، أصبح فيلمور رئيساً، حسب الدستور الأمريكي، ثم استبدل كل أركان الإدارة، رغم أن العادة جرت أن يتم استمرارهم، إذ كان للرئيس الجديد موقف حاد منهم، فقد كانوا لا يلتفتون له، عندما كان نائباً للرئيس، ورغم أن سياساته الخارجية كانت جيدة، بسبب اختياره لشخصية متمكّنة لوزارة الخارجية، ورغم أن إنجازاته الداخلية كانت جيدة أيضاً، إلا أنه اتخذ موقفاً توافقياً ورخوا من موضوع الرق، رغم أنه من معارضي الرّق، بل ويعتقد أنه عمل شيطاني، فقد سمحت إدارته باستخدام قانون «هروب الرقيق»، وهو قانون في منتهى القسوة، إذ يسمح بالقبض على الرقيق الهارب، ومن ثم إعادته لمالكه، فقد كان الأرقّاء يهربون من الاستعباد والظلم والعنف في ولايات الجنوب، إلى ولايات الشمال، التي لا يوحد فيها رقيق، وهذا القانون يسمح بملاحقتهم وإعادتهم قسراً، وقد كان هذا هو السبب الرئيس لتصنيف فيلمور ضمن أسوأ رؤساء أمريكا، مثل الرئيس الذي سبقه، والرئيسين اللذين خلفاه، كما وضحّنا ذلك آنفا!